“آدم” لمريم توزاني .. مقاربة سينمائية ملفتة لواقع أم عازباء فيصل شيباني

“آدم” لمريم توزاني .. مقاربة سينمائية ملفتة لواقع أم عازباء

  • انسخ الرابط المختص

امرأة حامل تمشي في سوق شعبية في المغرب، تظهر عليها ملامح التعب من الحمل، حِمل آخر على عاتقها وهو هموم الحياة وكيف السبيل للخلاص من كل شيء ومن المجهول الذي ينتظرها، كيف لها أن تجد طريقا ينجيها هي وجنينها وفي الوقت ذاته، تعيش في مجتمع مليء بالتناقضات لا يرحم أما عازباء ولا يغفر خطأها، تبحث هذه المرأة عن سقف يحميها ومأوى يرأف بها من قسوة ما تكابده، تحاول بكل الطرق إقناع صاحبة محل لبيع الحلويات التقليدية بالمبيت عندها ولكنها تفشل، فالزمن صعب ونظرات الناس تلاحق كل شيء والشك يراود الكل فلا محل للعاطفة وللضعف، ولا مجال لفتح الباب أمام الحالات الإنسانية، في الأخير خطوات ثقيلة نحو الأمل يجمع المرأتين وعلاقة ود نشأت غريبة وظلت كذلك، هكذا يمكن أن نلخص قصة فيلم “آدم” للمخرجة المغربية مريم توزاني المتوج بجائزة النجمة البرونزية في مهرجان الجونة السينمائي الدولي من 19 وحتى 27 سبتمبر 2019، وتبعته تتويجات أخرى في  مهرجان قرطاج السينمائي الدولي وقبله شارك في مسابقة “نظرة ما” بمهرجان “كان” السينمائي.

في شريطها السينمائي الطويل الأول تتوغل المخرجة المغربية مريم توزاني في عمق المجتمع المغربي ترصد حالاته من خلال عينة وقصة نشترك فيها جميعا، حيث تنقل كاميرا توزاني واحدة من أبرز المشكلات الاجتماعية ليس بالمغرب فقط بل في العالم العربي، وهي الحمل خارج إطار الزواج الشرعي من خلال قصة سامية “نسرين الراضي” التي تترك بيت أهلها حتى لا ينكشف أمر حملها وتظل تتجول بحثا عن مأوى حتى تضع مولودها وتقودها هذه الرحلة إلى منزل عبلة “لبنى أزبال”،  هذه الأخيرة التي تظهر بأنها تملك شخصية قوية نظراتها  تحمل تفاصيل غامضة فهي خليط بين الحدة والخوف والشك، تسترق النظر من خلف محلها ناحية “سامية” التي تجلس غير بعيدة عن المحل، تنظر إليها وعلامات الشك والانزعاج بادية على وجهها، ربما جلوسها هناك لم يرق لها وفي قرارة نفسها تتمنى منها الابتعاد خاصة والحمل ظاهر عليها، ففكرة إيواء امرأة حامل في زمننا هذا  مغامرة غير محسوبة العواقب، فالنظرات وحدها بمثابة سكين حاد يلين مع مرور الوقت فالطفلة “مريم” تلعب هنا دور الوسيط فذلك التناغم بينها وبين سامية يجعل الأم عبلة لاحقا تقبل بمسألة حلول ضيف ثالث على البيت بانتظار الرابع.

تترصد كاميرا توزاني وفق سيناريو مرسوم بعناية شديدة شاركها في كتابته زوجها المخرج نبيل عيوش اختارت له بيئة بسيطة، لا تغفل فيها أدق التفاصيل، وبذكاء كبير تلتقط زوايا متعددة وترصد الانفعالات والتغيرات داخل هذه الأسرة، فقدوم سامية شكل نقلة نوعية في السير الدرامي للأحداث فالبهجة عمت البيت والنظرات تغيرت والابتسامة سطعت وأفق الحياة أصبح أوسع حتى بالنسبة لصاحبة البيت، التي انقلبت موازين حياتها فصارت تهتم بشكلها وتولي اهتماما أكثر ولكن بحذر من ذلك الرجل الذي يرغب في الارتباط بها.

تستمر حياة الأسرة بشكل يكاد يكون عاديا إلى أن يأتي الضيف الرابع، تضع سامية وليدها الذي لم يحمل لها الفرحة فهو بمثابة عار يجب التخلص منه، فعوض أن تفرح به، فتح لها أبواب العزلة والانطواء وعدم الرغبة حتى في رؤيته ورفض فكرة إرضاعه، فهذا الطفل بالنسبة إليها عبء أخلاقي تريد التخلص منه، لكن مع صراخ المولود المتواصل، انتصر عندها إحساس الأمومة وعادت لتحضنه وترضعه.

شريط “آدم” يجعلنا نقف أمام تجربة سينمائية متفردة رغم أن الموضوع سبق معالجته سينمائيا ولكن ذكاء المخرجة جعل الطرح السينمائي مختلفا وطريقة المعالجة جديدة فالزاوية التي تطرقها توزاني مختلفة وتُظهر المخرجة المهووسة بهموم المرأة، فروح المرأة المخرجة تظهر جليا حين تطرق موضوعا نسائيا فمريم توزاني معروفة في الساحة السينمائية المغربية في بادئ الأمر بشريط وثائقي حول الدعارة، وشكل الفيلم مصدر إلهام لزوجها المخرج نبيل عيوش في إخراج فيلم “الزين اللي فيك”، وسبق لتوازني المشاركة مع عيوش في دور سينمائي في فيلم “غزية”، وأخرجت شريطها القصير الأول “حينما ينامون”، ثم شريط “مافيي بو” سنة 2014، وفي سنة 2015، أنجزت فيلمها القصير الثاني “آية والبحر” الذي يتطرق لموضوع خادمات المنازل.

من الصعوبة بمكان الانتقال بالكاميرا ومن حدث لحدث في مكان شبه مغلق، والحوار قليل مع بروز الصمت ولغة الجسد التي أجادتها كل من نسرين الراضي ولبنى أزبال، اللتان اتكأت عليهما المخرجة ووظفتهما جيدا وفق سيناريو الفيلم، فالمكان المغلق هنا تحول بالتدريج إلى أفق رحب مفعم بالحياة تتحرك فيه الشخوص بكل أرياحية فالمخرجة برزت بلغة سينمائية قوية متحكمة في أدواتها الإخراجية.

فيصل شيباني

التعليقات مغلقة