في ظل العدوان المستمر والحصار المفروض على قطاع غزة، يواجه سكان القطاع تحديات يومية للبقاء على قيد الحياة. هذه التحديات لم تثنِ أهل غزة عن ابتكار وسائل جديدة ومبدعة للتغلب على الصعاب، بل أصبحت الحاجة أم الاختراع، حيث تظهر قصص ملهمة للمقاومة والابتكار من أجل البقاء.
يعاني أهل غزة من نقص في الموارد الأساسية، كالمياه الصالحة للشرب والكهرباء والمواد الغذائية. ولكن وسط هذه الظروف القاسية، ظهرت نماذج عديدة من الابتكار والإبداع. من عبد الله قلجة الذي حول عكازه المكسور إلى قدم صناعية، إلى أحمد عفانة الذي ابتكر طريقة بسيطة لتحلية مياه البحر من أجل توفير المياه لعائلته. هذه القصص تعكس روح التحدي التي يتمتع بها الفلسطينيون في غزة.
عبد الله قلجة، شاب فلسطيني تعرض لإصابة بليغة إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزل جيرانه، ما أدى إلى بتر قدمه. بعد محاولات طبية عديدة باءت بالفشل، وجد عبد الله نفسه في مواجهة حياة جديدة بقدم واحدة. لكنه لم يستسلم للإحباط، بل قرر تحويل عكازه المكسور إلى قدم صناعية، ليتمكن من مواصلة حياته ومواجهة مصاعب العيش في ظل الحرب.
يقول عبد الله: “لقد صنعت لنفسي حياة من جديد، صحيح هي فكرة بدائية، لكنها بالنسبة لي مجدية للحد الذي يعينني على مصاعب الحرب وفقر الإمدادات الطبية في غزة”. هذه القصة ليست مجرد تجربة شخصية، بل هي رمز للصمود والإصرار على التكيف مع الواقع الصعب.
في خيمة بالقرب من شاطئ دير البلح، يعيش أحمد عفانة وعائلته بعد نزوحهم من مخيم جباليا. يواجه أحمد تحديًا يوميًا في توفير مياه الشرب لعائلته، خاصة وأنه يسكن خيمة بعيدة عن المناطق السكنية. في ظل ندرة المياه، ابتكر أحمد طريقة لتحلية مياه البحر باستخدام أنبوب مليء بالحجارة ومصفاة لترسيب الملوحة.
يقول أحمد: “تعبئة مياه صالحة للشرب وأنت تسكن خيمة على شاطئ البحر مهمة ليست سهلة، لكن هذه الطريقة البسيطة تساعدني في الحصول على لترين من المياه يوميًا”. رغم بدائية هذه الطريقة، إلا أنها تعكس قدرة الفلسطينيين على التكيف مع الظروف الصعبة وابتكار حلول مبدعة للتغلب على نقص الموارد.
مع انقطاع الكهرباء بشكل كامل عن غزة منذ 21 أكتوبر 2023، لجأ الخياطون إلى استخدام دراجات هوائية لتشغيل ماكينات الخياطة، وذلك لتلبية احتياجات السكان من الملابس. هذه الفكرة لم تقتصر على الخياطين فقط، بل استخدمها آخرون في إعادة تدوير أقمشة البطانيات الحرارية لإنتاج ملابس شتوية.
تقول أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال: “مع اقتراب فصل الشتاء، كان من الصعب توفير ملابس دافئة للأطفال بأسعار مناسبة، لذلك بدأنا في تدوير البطانيات الحرارية لإنتاج ملابس تناسب احتياجاتنا”. هذه الفكرة ليست فقط حلاً عمليًا لتحديات الشتاء، بل هي أيضًا تعبير عن روح التعاون والتضامن بين سكان غزة.
بسبب ندرة الغاز وصعوبة توفيره، لجأ سكان غزة إلى ابتكار حلول بديلة للطهي، مثل استخدام زيت القلي وبعض البلاستيك لإشعال النيران. مستعينين بمجفف الشعر، تمكن الفلسطينيون من جعل النار أكثر اشتعالاً وانتظاماً، ما يسهم في طهي الطعام وتوفير الوجبات لعائلاتهم.
يقول يوسف، أحد سكان غزة: “هذه الطريقة قد تبدو خطيرة، لكنها تساعدنا في توفير الطعام لأطفالنا في ظل نقص الغاز وإغلاق المعابر”. هذا الابتكار يعكس قدرة الفلسطينيين على التكيف مع الظروف المستحيلة وإيجاد حلول غير تقليدية.
تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة في دمار هائل للبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى توقف 82% من الشركات والمصانع. هذا الوضع دفع العديد من الفلسطينيين للبحث عن حلول بديلة للبقاء وكسب لقمة العيش. من تحويل الدراجات الهوائية إلى مصادر للطاقة، إلى تحويل العكازات إلى أطراف صناعية، كلها تعكس روح التحدي والإبداع.
وصل معدل البطالة في قطاع غزة إلى 80% منذ اندلاع الحرب، ما يجعل الوضع الاقتصادي في غاية الصعوبة. لكن رغم هذه التحديات، يواصل سكان غزة البحث عن سبل للعيش بكرامة ودون الخضوع للمحتلين، متخذين من الابتكار والمقاومة وسائل للبقاء.
في ظل الحصار والدمار، يبتكر سكان غزة حلولاً مبدعة للتغلب على المصاعب اليومية. من تحلية مياه البحر إلى تدوير الملابس والطهي بطرق بديلة، تعكس هذه الابتكارات روح الصمود والتحدي التي يتمتع بها أهل غزة. رغم كل الصعوبات، يظل الفلسطينيون في غزة مثالاً للإصرار على الحياة والابتكار في مواجهة الظلم والحصار.
تظهر قصص عبد الله وأحمد وأم محمد ويوسف أن الإبداع يمكن أن يكون سلاحًا قويًا لمقاومة الظلم، وأن الأمل في حياة أفضل لا يزال ممكنًا حتى في أحلك الظروف.