في تطور يعكس تصاعد التوتر بين الجزائر وباريس، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اجتماعًا طارئًا في قصر الإليزيه خصّص بالكامل لمناقشة الأزمة غير المسبوقة مع الجزائر، وفق ما نقلته مصادر حكومية فرنسية.
ورغم التكتم الرسمي حول مخرجات الاجتماع إلا أن توقيت الاجتماع وتركيبة الحضور السياسي من وزارات سيادية يشير إلى أن الجزائر أصبحت ملفاً استراتيجياً معقداً داخل الدوائر الفرنسية.
وحضر الاجتماع كبار مسؤولي الحكومة الفرنسية، من بينهم رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزراء الخارجية جان نويل بارو والداخلية برونو روتايو، والعدل جيرالد دارمانان، حسب ما أفادته قناة “فرانس 24“.
ويأتي الاجتماع في ظل تعليق كامل لأشكال التعاون بين الجزائر وفرنسا، وسط قطيعة دبلوماسية تامة منذ أشهر، تمثلت في الطرد المتبادل للدبلوماسيين واستدعاء متبادل للسفراء وفرض قيود على التأشيرات وتوقف التنسيق في ملفات رئيسية، أبرزها الهجرة.
وعلى خلاف ما جرت عليه العادة في العلاقات الثنائية، لم تكن الجزائر هذه المرة في موقع رد الفعل، بل أظهرت موقفاً سيادياً مبنيّاً على الندية والاحترام المتبادل، رافضةً أي مقاربة تكرّس منطق التبعية أو ازدواجية المعايير في التعامل.
وهذا التحول الجذري فرض على باريس إعادة حساباتها ومراجعة خطابها تجاه الجزائر.
وحسب المصدر ذاته، دعم الرئيس الفرنسي ماكرون، يوم 30 جويلية 2024، لخطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، قد فجّر الأزمة، باعتبار أن الجزائر تُعد من أبرز الداعمين لمبدأ تقرير المصير في هذه القضية وتدعم جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال.
وفيما أشارت بعض المؤشرات في أفريل الماضي إلى بوادر تهدئة، بعد اتصال هاتفي بين ماكرون ورئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلا أن العلاقات عادت إلى التوتر، مع توقف قنوات التواصل وتراجع التنسيق في مختلف المجالات.
وملف الهجرة بدوره يشكل نقطة خلافية حادة، إذ تسعى فرنسا إلى ترحيل عشرات الجزائريين ممن صدرت بحقهم قرارات إبعاد.
كما أن من بين المواقف التي أشعلت فتيل الأزمة بين البلدين هو اعتقال الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال ، البالغ من العمر 80 سنة، في منتصف شهر نوفمبر 2024.
وقد صدر في حقه حكم ابتدائي يوم 27 مارس الماضي، قضى بسجنه خمس سنوات.
وكانت جلسة الاستئناف مقررة يوم 20 ماي2025، قبل أن تؤجلها محكمة الجزائر العاصمة إلى 24 جوان المقبل.
وتعود القضية إلى تصريحات أدلى بها صنصال في أكتوبر 2024 لقناة “فرونتيير” الفرنسية اليمينية المتطرفة.
وقال فيها إن الجزائر “ورثت أراضي تعود تاريخيًا للمغرب”، ما اعتُبر مساسًا بوحدة التراب الوطني.
والكاتب المثير للجدل أثار موجة دعم في فرنسا، أبرزها من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي طالب بالإفراج عنه.
وإلا أن هذه الدعوات لم تلق أي استجابة من الجزائر، التي تؤكد تمسكها بتطبيق القانون في قضايا السيادة.
وحسب المصدر ذاته، ينظر إلى هذا الاجتماع في الإليزيه على أنه محاولة لإعادة تقييم العلاقات مع الجزائر، التي أظهرت، وفق مراقبين، مواقف أكثر حزمًا في الدفاع عن سيادتها، ورفضها لأي علاقة غير متوازنة.
وحتى الآن، لم تصدر باريس أي بيان رسمي حول نتائج الاجتماع، فيما تتجه الأنظار إلى الخطوات المقبلة التي قد تتخذها فرنسا، في وقت تؤكد فيه الجزائر أنها لم تعد تقبل بالمعادلات القديمة، وأن علاقاتها تُبنى على أساس الندية والاحترام المتبادل.