في الذكرى 115 لثورة 5 أكتوبر 1910 التي أنهت قرونًا من الحكم الملكي في البرتغال وأسست الجمهورية الأولى، تهتز شوارع المدن المغربية على وقع أكبر موجة احتجاجات شعبية منذ “حراك الريف” في 2016.
يقود هذه الموجة جيل رقمي جديد، “جيل زد 212″، الذي بدأ بتحريك الشارع مطالبًا بتحسين التعليم والصحة، قبل أن تتطور مطالبه إلى إقالة الحكومة اليوم، في حين لا تخفي فئة من المحتجين انهيار الثقة في الحكم الملكي.
كما ذكر موقع “الصحفي” أن حرق صور الملك محمد السادس للمرة الأولى في تاريخ المغرب يشكل لحظة فارقة تعكس عمق الغضب الشعبي، وهذا الفعل يعبر عن فقدان الثقة في المؤسسة الملكية وتصدّع العلاقة التقليدية بين الشعب والسلطة، خاصة بين جيل الشباب.
وأضاف المصدر ذاته، أن حرق الصور في المغرب نقطة تحول في وعي الشارع، حيث بات الشباب أكثر جرأة في التعبير عن استيائهم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وما يرونه من تراجع في وعود الإصلاح.
من لشبونة إلى الرباط
في مثل هذا اليوم، 5 أكتوبر 1910، أسقط الحزب الجمهوري البرتغالي النظام الملكي بعد انتفاضة عسكرية وشعبية شارك فيها البحّارة والجنود والطلبة والمثقفون، احتجاجًا على فساد النظام وانحطاط هيبة الدولة وخضوعها للإملاءات الأجنبية، والهوّة الواسعة بين الطبقة الحاكمة والشعب.
تكررت المآسي ذاتها في المغرب، وفق ما يؤكده المحتجون، حيث يعيش البلد أزمة اقتصادية حادة وارتفاعًا غير مسبوق في البطالة بين الشباب بنسبة 48.4% في المدن، إلى جانب الانهيار شبه التام لقطاعات التعليم والصحة.
كما شهد الشارع المغربي مسيرات شعبية حاشدة للتعبير عن غضبهم ومطالبتهم بإنهاء اتفاقيات التطبيع التي وقع عليها المخزن مع الكيان الصهيوني في النصف الاخير من عام 2020.
ومن الجانب الملكي، في البرتغال، اغتيل الملك كارلوس الأول وولي عهده عام 1908، ما عمّق الفوضى وأشعل فتيل السقوط الملكي بعد عامين فقط.
وكما هو الحال في المغرب، تصاعد القمع الأمني، وغياب تدخل مباشر من الملك محمد السادس وسط الاحتجاجات، يفتح الباب واسعًا أمام تكهنات حول المسار السياسي القادم، خاصة بعد أنباء مغادرة ولي العهد البلاد في خضم الأزمة، حسب ما ورد في مقال نشرته منصة بوابة الجزائر.
جيل “زاد”: غضب رقمي وميداني
انطلقت احتجاجات “جيل زد 212” قبل أكثر من أسبوع، وتواصلت لسبع ليالٍ متتالية في أكثر من 11 مدينة مغربية، أبرزها الدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش وأكادير.
وبدأت بشعارات تطالب بإصلاح التعليم وتعميم الصحة المجانية، لكنها سرعان ما ارتفعت إلى مطالب بإقالة الحكومة ووقف الفساد، وضمان العدالة الاجتماعية.
في بيان صريح موجه إلى الملك محمد السادس، طالبت الحركة بإقالة الحكومة “لفشلها في حماية الحقوق الدستورية للمغاربة”.
وبينما تستمر التظاهرات، توسّعت رقعة المطالب لتشمل الدعوات بإصلاح النظام السياسي بشكل جذري، من بينها أصوات تلمّح أو تطالب بضرورة فتح النقاش حول مستقبل النظام الملكي في المغرب.
وقوبلت المظاهرات بتدخلات أمنية عنيفة في بعض المناطق، حيث أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعرض العشرات للاعتقال والضرب، خاصة في مدن مثل وجدة والقنيطرة.
كما سجلت وسائل إعلام رسمية مقتل شخصين برصاص الأمن، خلال محاولة اقتحام مركز للدرك الملكي في بلدة القليعة.
واعتبرت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين أن “القوة المفرطة والتنكيل بالمحتجين سيُؤدي إلى نتائج عكسية، وقد يفتح الباب أمام تحول نوعي في طبيعة المطالب”.
القصر صامت والحكومة تتخبط
ورغم خطورة الوضع، لم يصدر عن الملك أي تصريح رسمي حتى الآن، ما يزيد من احتقان الشارع ويعزز من خطاب فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة الملكية.
بدورها، حاولت الحكومة امتصاص الغضب بإعلان إصلاحات جزئية، منها توظيف 500 طبيب وبناء 24 مستشفى، في وقت وصف فيه المحتجون هذه الخطوات بـ”المسكنات المؤقتة”.
المثير في هذا السياق أن الأصوات المطالبة بـ”جمهورية مغربية” لم تعد حكرًا على الهامش أو صفحات مجهولة على الإنترنت.
وبدأ صحفيون ومثقفون وشخصيات معروفة يتحدثون بصوت مسموع عن “إفلاس النموذج الحالي”، وعن الحاجة لـ”فصل حقيقي بين السلطة والثروة”، وراح البعض إلى أشار إلى “استحالة الإصلاح تحت سقف الملكية المطلقة”.
نهاية عهد الحكم الملكي
سقوط الملكية في البرتغال بدا مفاجئًا في 5 أكتوبر 1910، لكنه في الحقيقة كان ثمرة تراكم طويل من الأزمات والانقسامات والاحتجاجات الممتدة على مدى عقدين، بدءًا من انتفاضة 31 جانفي 1891، مرورًا بإنذار 1890 البريطاني، وانتهاءً بموجة اغتيالات واغتيالات سياسية في 1908.
وفي المغرب اليوم، يطرح الواقع أسئلة مفصلية: إلى متى يمكن للملكية أن تظل بمعزل عن النقد؟ وهل تكفي “المبادرات الاجتماعية” لاحتواء المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ وهل يستوعب النظام رسائل الجيل الجديد؟









لا يوجد تعليقات بعد! كن أول المعلّقين