ها قد ارتكب جيش الاحتلال جُرما آخر يعزز به رصيده في القتل والتنكيل، لكن هذه المرة استهدف أصحاب الكلمة لا أصحاب البندقية، فطالما تبجح أفيخاي وزمرته بأنهم جيش دفاع لا جيش هجوم، وأنهم لا يتعرضون إلا لمن يتعرض لهم وحاولوا على مدى السنوات التي احتلوا فيها الأرض أن يبيّضوا صحائفهم المسودّة مستعينين بالإعلام المتصهين في الشرق والغرب.
أقدم جيش الاحتلال صبيحة اليوم على قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة بعد إصابتها في رأسها برصاصة قناص غادر وهي ترتدي سُترة وخوذة الصحافيين التي من المفترض أن تميزها عن غيرها فلا يتعرض لها أحد، لكن يد الغدر أردتها بدم بارد وهي تُغطي غطرسة جيش الاحتلال في مخيم جنين.
استطاع الجندي الصهيوني أن يحشو بندقيته ويلمّعها جيدا، ويتخذ مكانا مناسبا يرى فيه شيرين ويترصد لحظة قنصها دون غيرها من الصحافيين، ثم ضغط على الزناد وأسكن رصاصة الغدر في رأسها دون أن يخطئ الهدف بين الخوذة والنحر!، وعاد يزف الخبر لجيشه ويحتسي شراب النصر.
لا يوجد في العالم أشد فرحا من أفيخاي أدرعي، فشيرين وإلياس كرام وغيرهما من الصحافيين المسيحيين استطاعوا أن يردوا الدعاية الصهيونية التي تُلصق صفة الإسلام والإسلاميين والإرهابيين بكل مقاوم على أرض فلسطين.
شيرين أبو عاقلة، وعلى مدار ربع قرن من الزمن آمنت بقضية فلسطين واستشعرت الظلم الواقع على أهلها، ونقلت الحقيقة -ولا شيء غير الحقيقة- إلى العالم وهو ما أزعج أفيخاي وزمرته، فهم لا يريدون رواية غير رواياتهم المشوهة ولا صورة غير صورهم الملفقة، وقد أعانهم في ذلك صحافة ضرار في عالمنا العربي والإسلامي.
سيخرج علينا اليوم -وككل مرة- الصهاينة والصهاينة العرب بروايات وردية تُعفي جيش الاحتلال من المسؤولية وتُلقي باللائمة على الفلسطينيين المقاومين ويقولون لنا: “لو لم يخرجوا ما قُتلت شيرين!” وهذا ديدنهم، فقد سمعنا بهذا منذ أمد بعيد، بل سيستهزئون ويضحكون ويواصلون احتساء شرابهم المفضل.
عندما يطلق الإرهابيون النار على جنودنا في جنين، يجب أن يردوا بإطلاق النار بكامل قوتهم، حتى لو كان هناك “صحفيون” في المنطقة من قناة الجزيرة الذين غالبًا ما يقفون عمدًا في منتصف المعركة ويزعجون الجنود
إيتمار بن غفير المستشار في الكنيست الإسرائيلي
اليوم.. تنضم شيرين “بنت بيت لحم” إلى قائمة طويلة من الصحافيين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لعملهم وثمنا لمعتقداتهم وثمنا لحبهم للحقيقة وثمنا لسعيهم إلى إظهار الحق ومحاربة الباطل، وما أبهظه من ثمن.
عبد القادر بن خالد، صحافي جزائري وخبير في الإعلام الرقمي، ساهم في الانتقال الرقمي لقناة الجزيرة بعد انضمامه لها سنة 2014 وعمل رئيسا لقسم التواصل الاجتماعي بالجزيرة نت قبل استقالته نهاية 2021، يعمل حاليا مديرا للابتكار والنمو في مؤسسة فضاءات إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في المنطقة العربية.