span>الاستقلال.. واستراتيجيتنا بمناسبة المئوية الثانية لذكرى الاحتلال يحي بوزيدي

الاستقلال.. واستراتيجيتنا بمناسبة المئوية الثانية لذكرى الاحتلال

تزامن عيد الاستقلال الوطني هذا العام، مع استعادة الجزائريين بعد ثمانية وخمسين سنة من استقلالهم رفات أربعة وعشرين مجاهدا جزائريا مضى على استشهادهم أزيد من قرن وسبعين سنة، ووضعت جماجمهم في متحف فرنسي يُدلل على حجم الإرهاب الذي مارسته قوى ادعت نقل الحضارة إلى أمم كانت أرقى منها وتسبقها في ذلك.

هذا الحدث المهم جدا للجزائريين والذي شبهه البعض بعودة رفات الأمير عبد القادر إلى أرض الوطن؛ يُذكر بمعركتنا المتواصلة مع الاحتلال، والتي تحقق الأهم منها بنيل الجزائر استقلالها بعد عقود من الكفاح المسلح، ومع ذلك ما زالت هناك قضايا مهمة يجب الاستمرار في النضال حتى تتحقق جميعها.

ولعل الوثيقة التي أُستفتي عليها الجزائريون نموذج يعبر عن العلاقة مع المحتل وكيف تُنتزع مطالب اليوم وتؤجل أخرى للغد، لأن مكر المستدمر كان حتى في صياغته لسؤال الاستفتاء حين خيّر الجزائريين بالإجابة بنعم أو لا على عبارة تقتضي الإجابة بكليهما في الوقت نفسه، فالجزائري بكل تأكيد كان مع أن تصبح الجزائر دولة مستقلة، ولكن ذلك لا يقتضي بالضرورة أن تكون هذه الدولة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962.

انشغل الجزائريون بالشطر الأول من الاستفتاء ولم يتوقفوا كثيرا عند الشطر الثاني، لأن كلمة “دولة مستقلة” تعني الكثير لشعب عانى من ويلات وجرائم الاحتلال لأزيد من قرن دفع فيها ثمنا غاليا من أول يوم وطئت فيه أقدام المحتلين أرضه إلى سنوات الثورة التحريرية السبع المباركة التي تكللت باستقلاله.

ذلك الاستقلال الذي تخللته بعض النقائص وهو أمر طبيعي في السياسة التي تفرض في الكثير من الأحيان المفاضلة بين خيارات يكون أحلاها مر، لأن موازين القوة وحسابات الربح والخسارة تستدعي مقاربات تحصل من خلالها مكاسب وتؤجل أخرى إلى حين تكون الفرص مواتية. وهو ما عملت عليه النخب الوطنية في مرحلة البناء وكانت تحاول تدريجيا التخلص من الإرث الثقيل للاحتلال بالتأميمات تارة والقوانين تارة أخرى على غرار التعريب وغيرها من المواضيع المتصلة بالهوية الجزائرية. وقد تخللت ذلك بعض الأخطاء والعثرات والتي كان لفرنسا يد فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبغض النظر عن الزلات فإن الطريق لازال طويلا ومحفوفا بألغام فرنسا الإجرامية تماما مثلما مازالت ألغامها تفتك بشباب الجزائر في المناطق الحدودية وتبتر أطرافهم كما فعلت بأجدادهم من قبل.

في ظل كل هذه الظروف يجب أن تكون استعادة رُفات أجدادنا فرصة لاستعادة زخم مواجهة فرنسا وجرائمها ومواصلة لدربهم، في هذا الإطار ونحن مقبلون بعد عشر سنوات على الذكرى المئوية الثانية لاحتلال الجزائر يتوجب أن توضع استراتيجية شاملة تتكامل فيها مؤسسات الدولة مع المجتمع وتسخر لها كل الإمكانيات والموارد، وتسطر فيها جملة من الأهداف يتوجب تحقيقها خلال هذه العشرية، لعل من بينها قيادة حملات دولية وإعلامية عبر المؤسسات الحقوقية سواء الرسمية أو غير الرسمية لغلق “متحف الإنسان” الفرنسي الذي تحفظ فيه جماجم الآلاف من الرافضين لإرهاب المحتل، واستعادة الأرشيف الوطني، وتجريم الاستعمار الفرنسي، والمطالبة بالتعويض عن جرائمه، وإعادة بناء هويتنا التي سعى الاستدمار لطمسها على غرار حذف الأسماء المشينة لقادتنا في المناهج المدرسية أو التي مازالت مورثة في الحالة المدنية، طبعا دون إغفال مظاهر الوصاية الفرنسية والاستغلال لمواردنا الاقتصادية بعيدا عن مصالحنا الوطنية، وغيرها من الأهداف التي يجب أن تحدد وتسطر لها استراتيجية متكاملة كما سبق الإشارة له عرفانا لشهدائنا، ومهما طال الزمن لابد وأن تعود للمظلوم حقوقه كما عادت رفات شهدائنا إلى وطنها ودفنت في ترابه.

يحي بوزيدي

أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة جيلالي اليابس -سيدي بلعباس

تابع آخر الأخبار عبر غوغل نيوز

شاركنا رأيك