لما كان الرئيس السابق والجماعة التي تتولى السيطرة على الحكم باسمه واثقين من قبضتهما على المجتمع السياسي الجزائري غير القادر على كسر جماح هذه الجماعة، انفلت الغضب من حيث لم يكن متوقعا على الأقل بالنسبة للدائرة الضيقة في محيط عبد العزيز بوتفليقة، التي اعتقدت لفترة طويلة انها أغلقت كل منافذ التمرد في المجتمع… إنها أوساط مشجعي نوادي كرة القدم العريقة في الجزائر… والذين كان ينظر إليهم على أساس أنهم مجموعات بدون تنظيم ويعيشون على الهامش بدون أي اهتمام بالشأن السياسي.
في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة، أصبحت الملاعب ساحة لترديد شعارات غاضبة في قالب أغانٍ جماعية تستعمل الرمز في التعبير عن رفض ما آل اليه الوضع السياسي والتدهور الاقتصادي وغياب فرص العمل وانتشار شبكات الفساد الذي بات عنوانا للصعود في سلم طبقات المجتمع الجزائري.
تفاجأت جماعة بوتفليقة المشكَّلة من تحالفات عدة محافظة وعلمانية وعسكرية ورجال أعمال تجمعها شبكة الانتفاع بحجم الغضب الذي يزحف من ملاعب كرة القدم والذي كان يتراكم مع اقتراب مشروع فرض العهدة الخامسة لبوتفليقة “شبه الميت بيولوجيا وسياسيا”.
ومع إندلاع موجة الغضب الهوجاء في فبراير الماضي، كانت أغاني الملاعب المليئة بالرمزية تصدح في الشوارع رافضة للولاية الخامسة لبوتفليقة. فوصفت بوتفليقة بالدمية، والجمهورية بالمملكة، ورجال الأعمال الفاسدين بأصحاب الأكياس المملوءة. والواقع أن بوتفليقة ذاته كان حريصا على أن يستخدم نوادي كرة القدم ذات الشعبية الطاغية لإنشاء قاعدة له تروج لإنجازاته بينما كان يكابد ليثبت وجودها… فأغدق -وسط طفرة أسعار النفط- على رجال الأعمال بالمال لتمويل نوادي كرة القدم على أن يضمن ذلك أصوات ملايين المشجعين. وقد عملا بهذه الوصفة إلى أن إنهار الوضع العام، وغاب بوتفليقة عن الساحة تحت وطأة المرض.
وبوتفليقة نفسه انقض على فرصة سانحة قدمها له الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 2009 عندما تعرض لاعبو المنتخب الجزائري لـ”الاعتداء” في القاهرة، فقام بارسال المشجعين بالألاف إلى السودان في مباراة فاصلة انتهت بفوز منتخب الجزائر والتأهل لكأس العالم. كان ذلك قمة النصر لبوتفليقة لمسح غضب المعارضة وقطاع واسع من الشعب إزاء “اغتصابه” الدستور الذي كان يقيد الفترات الرئاسية باثنتين. وعندما كان بوتفليقة بحاجة إلى معالجة شعبيته المتدهورة، استقدم نجم كرة القدم العالمية الجزائري الأصل الفرنسي الجنسية زين الدين زيدان، واستقبله في القصر الرئاسي وحرص على أن تنشر وسائل الاعلام التي يمسك بقرارها على الترويج لهذه المناسبة.
عندما ينقلب السحر على الساحر
يتذكر الجميع في الجزائر جيدا، كيف سارع مسؤولو مولودية الجزائر وهو عميد الأندية والفريق الأكثر شعبية في البلاد، إلى نشر لافتة عريضة قبل انطلاق إحدى مباريات الفريق في الدوري المحلي تدعم ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، في حين كان الرئيس يعاني من ارتدادات الجلطة الدماغية التي أصابته فجأة وجعلته يغادر إلى فرنسا في فترة علاجية استمرت لأكثر من 80 يوما. وهو موقف أغضب كثيرا المتعاطفين مع هذا النادي “العريق” و”الرمز”، لكن السلطة استثمرت فيه وجعلته دعامة صلبة في تجسيد مشروعها الذي بدا كأنه غير مقبول شعبيا.
يقول أمين رابح، وهو أحد مشجعي مولودية الجزائر، إن السلطة تعرف جيدا مكانة هذا النادي في المجتمع الجزائري بالنظر لتاريخه في محاربة المستعمر الفرنسي، إضافة إلى كونه أول فريق أهدى البلاد لقبا خارجيا، فراحت تستغل شعبيته الجارفة في تلميع صورتها، مستفيدة من لهث بعض مسؤوليه وراء تحقيق مكاسب ومنافع ذاتية.
وبوضح بأن الحكومة كانت تخشى أن يقع هذا النادي تحت سلطة المعارضين من الإسلاميين أو غيرهم، وهو ما كان سيدبر انقلابا أبيضا عليها، فأوصت شركة المحروقات سوناطراك المملوكة للدولة بضمان رعاية كاملة له، ثم شراء غالبية أسهم شركته الرياضية بهدف قطع الطريق أمام كل مغامر قد يفكر في قلب الحكم.
غير أن المشاركة الواسعة لمشجعي هذا الفريق في المسيرات الأولى للحراك الشعبي، حركت مشاعر اللاعبين وجعلتهم يخرجون للعلن ويعلنون رفضهم الصريح لترشح بوتفليقة لولاية خامسة من خلال ترديدهم لنفس الأغنية الشهيرة للحراك في بدايته “مكاش الخامسة يا بوتفليقة“، فجاء رد المسؤولين سريعا: “عزل” المدير الرياضي المسؤول عن الفريق، واستبداله، وتعيين شخص آخر معروف عنه الولاء الأعمى للرئيس وحاشيته.
يلخص مشجعو مولودية الجزائر صراعهم مع الحكومة فيقولون في إحدى أغانيهم التي يرددونها في الملاعب “نحكي لكم باسم الديمقراطية، لماذا الرقابة على المولودية، اتركوها لا تجعلوا منها قضية، نعرف لماذا تكرهوا العميد، نعرف الكلام في ملعب 5 جويلية، أنتم المتهم ونحن الضحية، الحرارة لا تبرد فينا أبدا، نشهد عليكم دم الشهيد”.
الرياضة.. دعاية سياسية
وعلى مدار تاريخ الجزائر الحديث، كانت الرياضة عموما وكرة القدم خاصة، أداة دعاية سياسية؛ فقد اعتبر الرئيس الراحل هواري بومدين الفوز على فرنسا في نهائي مباراة كرة القدم خلال ألعاب البحر المتوسط عام 1975 نصرا سياسيا على المستعمر السابق وعزز ذلك من شعبيته. أما الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد فقد دشن حكمه بصعود تاريخي للجزائر إلى كأس العالم في الثمانينيات لمرتين، وعمل مؤيدوه في الحزب الحاكم على الترويج بأن هذه الإنجازات كانت بفضل سياسة الشاذلي بن جديد في الرياضة. وكذلك فعل بوتفليقة في عام 2009، والسلطة الحالية في يوليو 2019، بعد تتويج ” الخضر” بكأس أمم أفريقيا التي أقيمت بمصر.
سبق المسار الذي عرفته الجزائر بعد خريف 1988 في أعقاب أحداث الخامس من أكتوبر الدموية، انفتاحا سياسيا وديمقراطيا في الملاعب لم تشهده البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، حيث راح مرتادو الملاعب يستغلون هذه الفضاءات للحديث عن همومهم ومشاكلهم اليومية وفضح سياسات الحكومات التي فشلت في الاستجابة لتطلعات الشعب الذي لم تعد شريحة منه تخفي تطلعها للهجرة إلى أوروبا واستراليا ولو على متن قوارب خشبية.
https://youtu.be/dxAbXGIvVLM
ومع توالي السنين وتشابه الوضع الاجتماعي ” المتردي” لغالبية السكان، استمرت جماهير كرة القدم في تشريح الواقع الجزائري بدقة متناهية عجز عن تحديدها بالتأكيد علماء وخبراء علم الاجتماع ومخابر النظام، عبر كلمات ورسائل بسيطة ولكن بمعاني أحرجت الحكام مدنيين وعسكريين دون أن يكون لهم قوة أو نفوذ في ردعها.
وحتى خلال موجة العنف التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، لم يتسرب الخوف إلى نفوس الجماهير التي كانت ترفع صوتها ضد ما يعرف بعصبة الجنرالات التي كانت تتحكم في السلطة آنذاك، كبيان لرفض الطريقة التي تدار بها شؤون البلاد.
وينصح إعلاميون كل من يريد معرفة نبض الشارع الجزائري باختصار الطريق والوقت والتوجه إلى ملاعب كرة القدم، مرجحا أن نظام بوتفليقة ما كان ليسقط بالسهولة التي سقط بها لو حفظ الدرس واستمع لما كانت تصدح به مدرجات الملاعب أشهر عدة قبل انطلاق الحراك الشعبي.
وفعلا أدانت جماهير اتحاد الجزائر وهو النادي المملوك لرجل الأعمال علي حداد أحد أقوى وجوه النظام السابق والمسجون حاليا بتهم الفساد، في الماضي القريب وعلى طريقتها، حكم بوتفليقة والكيفية التي ضمنت استمراره في الحكم لأربع عهدات، وفساد نظامه والخلل الموجود في القضاء، والاستيلاء على ثروات البلاد ( البترول) وبيعها من قبل زمرة من المسؤولين، وترك الشعب يعيش في أوهام لا نهاية لها، وآلام لا يسكّنها إلا المخدرات وحلم الهجرة إلى أوروبا. جماهير رفضت أن تكون سلعة في يد السلطة تبيعها وقت ما تريد وتشتريها بأي ثمن تريد، فغنت للحرية الراسخة في قلوب الجزائريين المتطلعين لمستقبل أفضل لا يعتريه الخوف من الماضي، متوعدة بأنها ستكون “ابتلاء” للحكومة، وأن “نارها لن تنطفئ أبدا”.
friends at work have been hoping about lately. The knowledge on the repository is excellent and helpful and will help my kids and I in our studies significantly. It appears as if all of the members here has a large amount of expertise about interesting topics and other subjects and types of info definitely show it. I’m not usually on the internet all of the time however when I get a break i’m always scouring for this kind of information or others closely concerning it. If anyone gets a chance, check out at my website: [url=https://pbarmboutique.com/collections/new-arrivals/products/the-reata-onesie]boho clothes stores[/url]