الجزائر لم تنتصر في معركة القفطان! عبد القادر بن خالد

الجزائر لم تنتصر في معركة القفطان!

في محطة أخرى من محطات صون التراث وتسجيله، أقرت منظمة اليونسكو بأن القفطان جزائري أصيل، وأضافت إليه عددا هاما من المعارف والأساليب في حياكة وخياطة وتطريز بعض ألبستنا التي نفخر بتصديرها إلى العالم، ويمكنكم الاطلاع على تفاصيل هذا القرار هنا إذا رغبتم في ذلك، لكن هذا ليس موضوعنا.

فقد أغضبت اليونسكو بعض الجيران -وهذا ديدنهم- واحتجوا واعترضوا على قرار المنظمة الأممية، وهذا متوقع منهم أيضا، فقد جادلونا في تراث أشد أصالة وعمقا في التاريخ الجزائري، على غرار فن الراي الذي حاولوا نسبه إلى غير مستحقيه وهم يعلمون يقينا أنهم لا يد لهم فيه ولا حنجرة، فكيف نتوقع تقبلهم لخسارة الرهان على الملحفة والقفطان وخيط الروح وغيرها من المعارف والتقنيات التراثية الجزائرية؟

وفي الجهة الأخرى، انبرى بعض زملائنا الصحافيين والرسميين والمؤثرين، للقول إن الجزائر انتصرت في معركتها، ونجحت في تسجيل القفطان وإخوانه في المنظمة الأممية، وهنا أردت الإشارة إلى مصطلح “النصر” هذا.

الجزائر لم تنتصر

كان يمكن استخدام عبارات النصر والفوز والتفوق لو تعلق الأمر بمباراة في كرة القدم مثلا، لكن الجزائر لم تنافس أحدا على تراثه، ولم تسمح بأن ينافسها أحد على تراثها.

نحن لم ننتصر على أحد، وكل ما فعلته الجزائر هو تسجيل تراثها وصونه من الاندثار، ونقله إلى العالم أجمع للتأكيد مرة أخرى على المهارة الجزائرية وأصالة الصنعة والحرفة، ولمنع أي سطو محتمل، لاسيما أن القوم سخّروا وزراءهم وإعلامهم ومؤثريهم لخوض معركة تضليل تُمهّد الطريق للسطو على التراث الجزائري.. لكن كما قال دحمان الحراشي رحمه الله: الحق عليه النور. ولسنا بحاجة لخوض معارك للقول إن الراي والشعبي والقفطان والملحفة والشاشية والزليج وغيرهم تراث جزائري خالص.

جُهد المُقلّ

علينا الاعتراف أننا خسرنا سنوات وربما عقودا بتهاوننا في صون تراثنا وتأمينه من السطو، ولم نستغلّ -بالشكل المطلوب- عراقة الشعب الجزائري ومهارته في شتى الفنون، وأصالته الممتدة إلى قرون من الزمن، من أجل التسويق إلى ثقافتنا وتراثنا الذي تستغلّه شعوب أخرى من أجل دعم مواردها الاقتصادية عبر التسويق السياحي.

وبات لزاما على الدولة ومؤسساتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية تكثيف الجهود وإطلاق مبادرات إعلامية وتحفيز المجتمع من أجل مشاركة فاعلة في صون التراث وتسجيله، ونقله إلى العالم أجمع بلغات عدة. يجب أن يتحول هذا إلى جهد جماعي يشارك فيه الوزراء والسفراء والمسؤولون والصحافيون والمواطنون.

كم كان عظيما رؤية سفراء الجزائر بالبرنوس وهم يقدمون أوراق اعتمادهم إلى رؤساء الدول وملوكها وأمرائها، وكم كان جميلا رؤية المؤثرين بألبستهم التقليدية وهم يستلمون جوائز التفوق هنا وهناك، وكم كان رائعا رؤية الزليج على قمصان الخضر. لكن هذا لا يكفي، يجب أن يتحول كل هذا إلى موجة شعبية ورسمية، تدفعنا أكثر إلى الاعتزاز بأصالتنا وثقافتنا. يجب أن نرى عمق تاريخنا في مؤسسات الدولة ومنشوراتها ولافتاتها. يجب أن نرى ملابسنا التراثية الرائعة في احتفالاتنا الرسمية،. ويجب أن نرى أنفسنا في مناهج التعليم في الأطوار المختلفة.. يجب أن ننجز الكثير في قادم الأيام.

 

 

عبد القادر بن خالد

عبد القادر بن خالد، صحافي جزائري وخبير في الإعلام الرقمي، ساهم في الانتقال الرقمي لقناة الجزيرة بعد انضمامه لها سنة 2014 وعمل رئيسا لقسم التواصل الاجتماعي بالجزيرة نت قبل استقالته نهاية 2021، يعمل حاليا مديرا للابتكار والنمو في مؤسسة فضاءات إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في المنطقة العربية.

شاركنا رأيك