لقراءة الحلقة الأولى، نرجو النقر هنا
وبعد إنهاء مهامه وطرده من الوزارة، هاجر بوعلام صنصال مسرعًا إلى فرنسا حيث استُقبل استقبال الجندي المغوار العائد من مهام استخباراتية استطاع التمويه عليها والمحافظة على سريتها لعقود من الزمن، تحت غطاء البحث العلمي والنضال المناهض للنظام الجزائري “الدكتاتوري” وللإرهاب الإسلامي.
وتلقفته الوسائل الإعلامية الفرنسية اليمينية المتطرفة واستضافته جل القنوات التلفزيونية والإذاعية، وراحت تمجده وتتبادل أخباره وتستنكر تنحيته، وكأنه ولد ليخلد في منصب مدير عام بوزارة الصناعة.
وحين سُئل كيف استطاع مواصلة العمل بوزارة الصناعة والتعايش مع وزراء إسلامويين (عبد المجيد مناصرة والهاشمي جعبوب) وهو الديمقراطي اللائكي؟ رد قائلًا:
لقد عملت وقت الوزير عبد المجيد مناصرة طيلة خمس سنوات في أمن وسلام. كان لا يتكلم إلا العربية الأكاديمية ولم أكن أفهم ما يقول، وتعايشنا كل ملتزم بحدوده، ولم أشتغل معه ولم يصلني منه أي مكروه، إلى أن حلت “الطامة الكبرى” يوم تعيين الإسلاموي المتطرف الهاشمي جعبوب خلفًا له على رأس الوزارة.
من خبث الصحفي وسوء نيته أن طرح عليه هذا السؤال، كأن الوزارة هيكل حزبي لا يعمل به إلا من كان تابعًا للتيار السياسي أو الإيديولوجي للوزير، متناسيًا أن الوزارة مرفق عمومي يعمل به كل إطارات الدولة وموظفيها على اختلاف انتماءاتهم السياسية مثلما هو الشأن في فرنسا وفي كل بلدان العالم.
ومن خبث صنصال أنه لم يرد على الصحفي بهذا الكلام، بل راح يتباكى (ليظهر في ثوب الضحية السياسية بحثًا عن اللجوء السياسي)، مدعيًا أن سبب إنهاء مهامه هو معارضته المزعومة للنظام السياسي (الدكتاتوري) -وهو الذي كان يمثله ويدافع عنه في المحافل الدولية حسب زعمه- وكذلك بسبب معارضته لسياسة التعريب. ولو كان الأمر كما ادعى، لكانت مهامه قد أُنهِيت سنوات قبل تعييني على رأس الوزارة.
ثم يستطرد قائلًا، كما جاء على لسانه في مجلة فرنسية صادرة سنة 2003: إن الوزير جعبوب كان يشغل منصب مدير مستشفى بالبليدة حيث قام باختلاسات مالية كبيرة، وحماية له من السجن باعتباره صهر الشيخ محفوظ نحناح تم تعيينه وزيرًا. متناسيًا أن منصب وزير لا يوفر أي حصانة ولا حماية، وجاهلًا كذلك أنني اشتغلت بالمستشفى الجامعي بالبليدة عام 1985 وليس عام 2002، ومنه انتقلت إلى المستشفى الجامعي بحسين داي، ثم مستشفى سيدي بوعبيدة بالعطاف بعد إبعادي من العاصمة عقب أحداث 5 أكتوبر 1988 بتهمة التحريض على الشغب، لأعود بعدها إلى مستشفى سليم زميرلي بالحراش. وبعد أقل من سنة في منصب مدير عام قدمت استقالتي رفضًا لإكراهات الإملاءات الفوقية ولنقص الإمكانيات والوسائل، ومن تذمر الأطباء والممرضين والمرضى وذويهم من سوء الخدمات.
قدمت استقالتي وآثرت العمل كبائع أحذية عند أحد الخواص -بضمير مرتاح- عوض مواصلة تسيير مستشفى يفتقر لأبسط الإمكانيات والمعدات تحت ضغط رهيب من ضميري المنتفض الرافض لذلك الوضع المزري.
وبعد 6 أشهر من العمل كبائع أحذية، رجعت إلى الوظيفة العمومية والتحقت بوزارة الشباب والرياضة واشتغلت بها لمدة 4 سنوات كمستشار لثلاثة وزراء لهم قناعات سياسية متضاربة ومختلفة اختلافًا جذريًا، غير أنهم يلتقون جميعًا في حب الوطن، ولكن كل من منظوره الخاص. وهم ليلى عسلاوي، وعبد القادر خمري، وسيد علي لبيب. ثم بعد ذلك عينت رئيسًا لديوان وزارة التضامن الوطني والأسرة.
وفي سنة 1995 التحقت برئاسة الجمهورية وعُينت مديرًا بالأمانة العامة للحكومة. وفي الانتخابات التشريعية لعام 1997 شرفتني حركة مجتمع السلم ورشحتني ضمن قائمة ولاية ميلة، وفزت رفقة أخي المرحوم صالح كحل لسنان بعضوية المجلس الشعبي الوطني.
وبعد انقضاء العهدة البرلمانية، عُينت وزيرًا للصناعة شهر جوان 2002.
أسوق هذا الكلام عن مساري المهني حتى يعرف صنصال أنني لم آتِ للوزارة من العدم ولا هروبًا من السجن كما يدعي. وبكل تأكيد، لو كان يعرف هذه المعطيات لكان قد غيّر سلوكه وانضبط، ولما تمادى في دوسه على قوانين الجمهورية، ولما واصل تنمره على إطارات وموظفي الوزارة.
ربما جهله هذا هو الذي يكون وراء محاولته “استصغاري” حين قال لي إن المهام التي كان يؤديها بالخارج هي باسم الدولة الجزائرية وتفوق مستواي كوزير، وهي نفس الدولة التي يتهمها فيما بعد بأنها هي من أنهت مهامه لكونه “معارضًا شرسًا لنظامها” حسب زعمه.
أما قوله إنني صهر فضيلة الشيخ محفوظ نحناح -تغمده الله بواسع الرحمات- فهذا شرف لم أنله. ولكنني نلت شرف مصاهرة ابن عم والدي السيد أحمد جعبوب، وهو ابن شهيد وشهيدة وأحد مؤسسي الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ ورئيسها طيلة سنوات العشرية السوداء. وابنته، زوجتي وأم أولادي، وبعد وفاة أمي الغالية هي الآن الأغلى والأعلى شأنًا في الكون كله.
وللحقيقة والتاريخ، أقول إنني لم أتلقَ أية توجيهات ولا تعليمات بشأن صنصال، ولا علاقة لفصله بمعارضته المزعومة للنظام ولا بقناعاته الإيديولوجية. إنما قمت بإنهاء مهامه من باب تحملي لمسؤوليتي كاملة لفرض احترام القانون على الجميع دون استثناء، حماية لقدسية المرفق العام وصون مهابة الدولة من ألاعيب وطغيان الصعاليك من أمثاله الذين استغلوا الظروف الأمنية السائدة آنذاك وعاثوا في الأرض فسادًا وطغيانًا تحت غطاء محاربة الإرهاب والتطرف، فكانوا أكثر إرهابًا وتطرفًا وأكثر إيلامًا للدولة ومؤسساتها من كل المتطرفين.
استُقبل صنصال في فرنسا في ثوب ضحية النظام (الدكتاتوري) والوزير الإسلاموي المتطرف الهاشمي جعبوب الذي أهانه وأرغمه على البقاء واقفًا عند استقباله له، (وهذا أقل ما كان يجب أن يُعامل به حتى يستفيق من سكرة التعالي ويعرف حجمه الحقيقي).
وللحقيقة، أقول إنه بقدر جهل صنصال بشخصي المتواضع، كنت على اطلاع بشخصيته وعلاقاته المتشعبة والمشبوهة، والفضل في ذلك يعود بعد الله سبحانه وتعالى إلى زملائي المتخرجين من المدرسة الوطنية للإدارة المتواجدين في كل الإدارات العمومية والأجهزة الأمنية، والمتضامنين مع بعضنا البعض تضامنًا يتخطى الاعتبارات العرقية والجغرافية والانتماءات السياسية حينما يتعلق الأمر بأمن وسيادة الوطن.
وهنا أفتح قوسًا لأقول للذين تساءلوا أين كانت الأجهزة الأمنية طوال السنوات التي قضاها بوعلام صنصال وأمثاله بدواليب الدولة: لا تخطئوا الهدف، ولا تحملوا عناصر الأجهزة الأمنية مسؤولية أفعال وقرارات غيرهم من (الأرباب والمقررين les dieux et les décideurs) الذين كانوا يتحكمون في البلاد والعباد آنذاك.
وكثيرًا ما كنت ألتقي بالبعض من كوادر وعناصر الأجهزة الأمنية وهم في حالة تذمر وإحباط كبيرين لما يرون أن تقاريرهم الأمنية لا تؤخذ بعين الاعتبار، بل تُلقى عرض الحائط وتُتخذ قرارات معاكسة لمضامينها ولمنطق وقواعد حماية الدولة وصيانة أمنها.
وبعد منحه (جحرًا بباريس) ومنحة وإعانات مغلفة في شكل جوائز أدبية من طرف فرنسا الرسمية والمؤسسات الداعمة لليمين المتطرف المتصهين، استقر صنصال بباريس، ثم راح يصول ويجول متنقلًا بين الوسائل الإعلامية والندوات السياسية وحتى الدينية، وزاد من إصداراته (الأدبية) التافهة بحثًا عن التقرب أكثر من اللوبيات الفرنسية اليمينية المتطرفة والصهيونية.
وفي هذا المسعى، بدأ نشاطه بالإمضاء على بيان محاربة معاداة السامية الجديدة مع 250 شخصية فرنسية تتقاسم كلها كراهية العرب والمسلمين، وتمجد اليهود وإسرائيل، يتقدمهم نيكولا ساركوزي، وهنري ليفي، ومدير مجلة Hebdo Libéré المعروفة بعدائها لكل ما يمت بصلة للإسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم. هذا البيان يدعو، من بين ما يدعو إليه، إلى إلغاء كل الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود والنصارى وسحبها من المصحف الشريف!
وكان هذا الانبطاح توطئة لزيارة صنصال للقدس وصلاته أمام حائط البراق (المبكى حسب روايتهم)، رغم أنه يقول ويكرر إنه ملحد، لكن التقرب من الصهاينة اقتضى ارتداء طاقيتهم والصلاة معهم ومثلهم.
وبالاستماع ومشاهدة العشرات من الفيديوهات، اكتشفت أنه صديق مقرب من جاك شيراك. حيث يقول في إحدى مقابلاته الإعلامية إنه ترجى شيراك وتوسل له بإلحاح كبير أثناء زيارته للجزائر أن يضغط على الرئيس بوتفليقة ليجعل من الفرنكوفونية قاعدة للعلاقات الجزائرية الفرنسية، أي بتعبير آخر أن يجعلها شرطًا من شروط مساعدة فرنسا للجزائر في الخروج من محنتها الأمنية ومن العزلة الدولية التي كانت مضروبة عليها. (هكذا وبكل وقاحة يريد أن يفرض لغة المستعمر على الجزائر ويقولها دون حياء، بل وبكل فخر واعتزاز -إن كان في العمالة عزة-).
وهو كذلك من صاحب قائد الطابور الفرنسي الخامس بالجزائر -كما وصفه السيد الرئيس عبد المجيد تبون- السفير السابق لفرنسا بالجزائر سيئ الذكر Xavier Driencourt ، واتخذه حليفًا لتشويه صورة الجزائر ونعتها وأهلها بأشنع الصفات وازدراء الإسلام وكراهية المسلمين. (وأعدكم بتخصيص منشور لهذا السفير السفيه أفضح فيه تكالبه وتآمره ضد الجزائر وعمالته المفضوحة لإسرائيل والمخزن، بالأدلة المستخرجة من كتابه اللغز الجزائري ( L’Enigme Algérienne )، ومن مختلف تصريحاته وندواته ولقاءاته الإعلامية).
وفي هذا الباب نجد مثلًا العميل صنصال وصديقه السفير السفيه ينددان بالجزائر (لتلكؤها) في تقديم تقريرها حول المصالحة مع الذاكرة، كما فعل الطرف الفرنسي الذي تولى صياغة تقريره المؤرخ اليهودي الفرنسي بنيامين ستورا (Benjamin Stora). وحُمّلت مسؤولية التأخر في تقديم التقرير، حسب زعمهما، إلى رئيس فوج العمل الجزائري، وهو المجاهد عبد المجيد شيخي، المدير العام السابق للأرشيف الوطني، الذي يتهمانه بكونه وطنيًا متطرفًا. أي نعم، أصبحت الوطنية تهمة، وقد نسمع ما هو أكثر من هذا إذا لم نسارع ونطهر مؤسساتنا من الصناصيل والصراصير، وإذا لم نتوقف عن اعتماد أمثال هذه الحثالة كسفراء لوطننا.
ولقد قطعت شوطًا محترمًا في إعداد قراءة دقيقة للمقترحات الاثنتين والعشرين (22) التي تضمنها تقرير المؤرخ اليهودي الفرنسي بنيامين ستورا (Benjamin Stora) حول المصالحة مع الذاكرة، كما يراها هو، دون مراعاة لمشاعر الجزائريين. وأعدكم بنشرها عما قريب إن شاء الله.
ولأن فرنسا لا تفرط في عملائها، كما كان ولا يزال الحال مع الحركى وأبنائهم، فقد حظي العميل صنصال بمعاملة خاصة وبتوصيات متواترة من طرف كل السفراء الذين تعاقبوا على الجزائر، مما مكّنه من أن يكون صديقًا لساركوزي ويقدم له -كما يقول- نصائح بطرد كل الشباب الجزائريين المهاجرين (الحراقة) لأنهم يمثلون خطرًا على فرنسا التي يهيم بحبها ويخشى عليها الانكسار أمام هذا (الطوفان البشري الجزائري). ودعاه بالمناسبة إلى إلغاء اتفاقية 1968، مثلما دعا له عشرات المرات السفير وصاحبه في التآمر على الجزائر Xavier Driencourt.
ولأنه كان في مهمة سرية لصالح فرنسا، فقد تمت دعوته لحضور مأدبة الغذاء التي أقامها ماكرون خلال زيارته الأولى للجزائر، باعتباره من أصدقاء فرنسا الأوفياء، وصار صديقًا له يقدم له الاستشارات فيما يتعلق بكيفيات التعامل مع النظام الجزائري العنيد الذي يرفض نسيان الحقبة الاستعمارية…!
وهذا ما دفع الرئيس ماكرون إلى التصريح ذات مرة قائلًا: “إن العلاقات الفرنسية الجزائرية لن تتحسن إلا بذهاب جيل نوفمبر الذي لا يزال يقتات على إرث الذاكرة”. وهو بهذا يمني النفس بأن جيل الاستقلال سيتخلى عن عقيدته الثورية وحقه في تجريم الاستعمار ومطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها وتطهير أماكن التجارب النووية والاعتذار والتعويض. وماكرون، بكل تأكيد، واهم فيما ذهب إليه، وزاد من أوهامه صنصال وأمثاله من الخونة والمرتزقة الذين يزينون له أفعاله، كما يزين الشيطان المعاصي لأتباعه.
لما اكتشفت علاقات صنصال برؤساء فرنسا وبكل سفرائها الذين تعاقبوا على الجزائر، وأكيد بكل مؤسساتها الأمنية والإعلامية، فهمت لماذا اصطكت ركبتا الأمين العام للوزارة عند ذكر اسمه، ولماذا ارتعدت فرائص المسؤول بديوان الوزير الأول وترجاني بعدم إنهاء مهامه خوفًا من تداعيات ردة فعل باريس!
يتضح جليًا أن جهد حاخام كنيس بلكور في تكوين صنصال كان استثمارًا ناجحًا جنى من ورائه عميلًا جاهزًا (لم ينسَ الفضل)، إذ لم يتورع في دعم إسرائيل وتمجيدها مقابل وصف طوفان الأقصى بالعمل الإرهابي، وداعيًا إسرائيل إلى مواصلة قصف وتدمير غزة حتى القضاء على (الإرهابيين الغزاويين).
وفي آخر ظهور له مع صديقه وعدو الجزائر السفير Xavier Driencourt، حرص صنصال وصديقه على شكر وتهنئة الرئيس ماكرون على شجاعته وحنكته السياسية وصواب رؤيته بالاعتراف بمغربية الصحراء الغربية، وبتفضيله التعامل والتعاون مع المغرب باعتباره أعرق دولة في العالم وله نظام ديمقراطي مستقر، ودعوته إلى التخلي نهائيًا عن التفكير في التعامل مع الجزائر العنيدة التي تأبى النسيان.
أخيرًا، وبالنظر لكل ما لحق الجزائر والجزائريين من أذى وتشويه وقذف من طرف العميل بوعلام صنصال، فإنني أدعو إخواني الحقوقيين والسياسيين إلى دراسة فكرة التأسيس كطرف مدني لرفع دعوى قضائية ضده ليكون عبرة لغيره. مع الإشارة أنه غادر التراب الوطني مساء يوم السبت 2 نوفمبر متوجهًا إلى جحره بباريس. ولست أدري، أكان سفرًا مبرمجًا أم طارئًا تحت وطأة منشوري الأول.
وراءكم والزمن طويل يا عملاء، يا خونة.
الذل والمهانة للحركى القدامى والجدد.
تحيا الجزائر، المجد والخلود للشهداء الأبرار، وطول العمر للمجاهدين الأشاوس.
انتهى مع أذان صلاة الفجر بميلة.
سياسي جزائري تولى مناصب إدارية وسياسية وبرلمانية، كما عيّن وزيرا للصناعة ووزيرا للتجارة ووزيرا للعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي