الرد المهذب على الهجوم غير المؤدب -الحلقة الثانية الهاشمي جعبوب

الرد المهذب على الهجوم غير المؤدب -الحلقة الثانية

نواصل الرد على تهديدات السفير الفرنسي السابق بالجزائر سيئ الذكر xavier driencourt  الذي يحمل كرها دفينا للجزائر وهو الذي قضى بها سبع سنوات و نصف مقسمة على فترتين ( من 2008 إلى 2012 ثم من 2017 إلى 2022).

الرد المهذب على الهجوم غير المؤدب

يجب التذكير أن هذا السفيه قد داس كل الأعراف الدولية وأخل بكل القواعد الديبلوماسية التي تلزم الديبلوماسيين بواجب التحفظ على كل ما يطلعون عليه من معلومات أثناء أداء واجباتهم وبعدها، وراح ينفث سمه وحقده في كل القنوات اليمينية التي تتلذذ باستضافته بانتظام لكشف الأسرار التي اطلع عليها مع التهجم على الجزائر بمؤسساتها ومسؤوليها السياسيين والإداريين والعسكريين .

وفي إطار تحامله وهجومه المتواصل على الجزائر، وإضافة إلى ما سبق نشره في الحلقة الأولى نسجل دعوته إلى:

المعاملة بالمثل

منع القناصلة الجزائريين بفرنسا من مغادرة مقاطعاتهم الإدارية إلا بإذن من وزارة الداخلية الفرنسية وتحت رقابة الشرطة لتقليص تواصلهم مع المغتربين الجزائريين، وذلك وحسب زعمه في إطار المعاملة بالمثل، ويذكر أن القناصلة الفرنسيين بالجزائر ممنوع عليهم الخروج خارج ولايات إقامتهم إلا بالإذن المسبق وبحضور الشرطة، ويرفض التوضيح أن ذلك يدخل في إطار توفير الحماية الأمنية لهم وأن نفس المعاملة يعامل بها كل الديبلوماسيين المتواجدين بالجزائر ولا أي بلد انزعج من ذلك، بل يرحبون به ويرونه  حماية واحتراما لممثليهم، ثم يواصل قائلا بأنه زار 47  ولاية من مجموع 48 وأنه وحسب زعمه كان يلقى الترحيب من طرف الشعب على عكس المسؤولين الذين كانوا يجيدون فن إهانته عندما يريدون. (ربما  كان ينتظر أن يستقبل  بالورود  و البارود و كأنه مسؤول جزائري في زيارة تفقدية).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو من كان يسمح له بهذه الزيارات لكل ولايات الوطن وكأنه وزير الداخلية بالجزائر وليس مجرد سفير دولة أجنبية كان يجب أن يطبق عليه ما يطبق على غيره من قواعد انضباطية، وكان عليه أن يلتزم بحدود ما يقتضيه البروتوكول والأعراف، أم أنه كان يتمتع بما لا يحظى به السفراء الآخرون أم تراه كان متمردا على الدولة الجزائرية وهو بأراضيها؟ ( معذرة شهداءنا الأبرار).

علاقته بالمسؤولين

ويواصل تهجمه بالقول بأن المسؤولين الجزائريين مصابون بانفصام الشخصية (la schizophrénie)  بحيث أنهم ينتقدون فرنسا صباحا ويطلبون منه التأشيرة لأفراد أسرهم في المساء وكأنه يريد أن يقول أن التأشيرة لا تمنح إلا لمن يمجد فرنسا ويسبح بحمدها، وهذا شرط غريب ما اشترطته أية دولة إلا دولته التي تتبجح بأنها دولة حرية الرأي والعدالة والمساواة والأخوة.

ثم إن محاولته  تعميم هذا الحكم على كل المسؤولين الجزائريين فيه مغالطة كبيرة يرمي من خلالها الزيادة في الإساءة للجزائر إشباعا لروح كراهية الجزائر التي تسكن قلبه.

ثم يواصل قوله مستهزئا بأن المسؤولين الجزائريين لا يردون على مكالماته الهاتفية ويقطعون هواتفهم بمجرد رؤية اسمه على شاشاتها (خوفا أو تهربا منه)، وإذا ما حاول الاتصال بهم بواسطة أمانتهم يكون الرد دائما بأنهم غائبون أو مشغولون في اجتماعات لا تنتهي، (وكأنه نصب نفسه مسؤولا عنهم أو محاسبا لهم).

لقد غاب عند ذهن هذا السفيه أن هذا الحكم لا ينطبق إلا على الصنف الذي تعرف عليه من المسؤولين المذلولين الذين منحوه أرقام هواتفهم الخاصة، وأنه بذلك يكون قد أعطى لنفسه الحق في مكالمتهم وقت ما يشاء، وأنهم ملزمون بالرد عليه وكأنهم أزلام عنده، وإلى هذا الحد ساءت الأمور وهوت وابتذلت هيبة الدولة وهكذا يكون الحال إذا ما أعطيت القوس لغير باريها وأسندت خدمة البلاد لغير محبيها.

وإذا كان السفير Xavier يظن أن كل المسؤولين الجزائريين هم على شاكلة من عرف فهو بكل تأكيد لم يعرف شيئا عن الجزائر والحمد لله.

صنصال وداود

أما عن قضية (بوعلام صنصال) فله قراءة خاصة به، حيث يرى أن الجزائر أقدمت على توقيف هذا المفتري لإهانة فرنسا ولبعث رسالة قوية لباقي الأدباء والكتاب المعارضين من أمثال كمال داود مفادها أن الجنسية الفرنسية لا تصلح لشيء وإنها لن توفر لهم الحماية  من متابعات العدالة الجزائرية، ويرفض الاعتراف أن (بوعلام) أوقف لارتكابه جريمة في حق الجزائر.

ولتبسيط القضية أقول له، كيف كان سيكون رد فعله ورد فعل دولته فرنسا والكيان الصهيوني لو تجرأ (بوعلام) وأنكر المحرقة وأيهما أخطر وأكبر ظلما نكران وجود دولة أم  نكران وقوع جزئية تاريخية غير مؤكدة؟

وفي خضم تحامله على الجزائر لم ينس أن يذكر أمام الحاضرين على بلاطو التلفزيون الذي استضافه، أنه جد حزين لتوقيف صديقه (بوعلام) الذي توسل ذات يوم هو وصديقه الكاتب كمال داود للرئيس ماكرون عندما زار الجزائر قائلين له بتودد كبير: “السيد الرئيس  نحن صوت فرنسا بالجزائر فالرجاء لا تتخلى عنا” (Monsieur le président nous sommes la voix de la France en Algérie ne nous abandonnez pas s’il vous plaît).

وللظهور بمظهر العارف بخبايا الجزائر وبأسرارها بما نسج من علاقات طيلة تواجده بها، وبما يملك من معارف وجواسيس، يقول للحاضرين معه وبكل تبجح وافتخار أنه يعرف جيدا المصلحة الطبية التي يتواجد بها صنصال داخل مستشفى مصطفى الجامعي ثم يردف بنبرة حادة مشبعة بروح التحدي قائلا إنه يستطيع حتى تحديدها لهم بكل دقة عن طريق تطبيق google earth وهو بذلك كأنه يعرض خدماته على القوات الفرنسية إذا ما فكرت في اختطاف الموقوف بوعلام!.

ورغم خوفه المزعوم على (بوعلام) يرفض الإشادة ولا حتى الإشارة إلى العناية الطبية التي لقيها صديقه بالجزائر من طرف الأساتذة الأطباء الذين أجروا له الفحوصات والتحاليل الطبية المعمقة واكتشفوا مرضه الذي كان يجهله ولم يتفطن له لا هو ولا الأطباء الفرنسيون الذين كان يقيم بينهم، وهو الآن محل عناية ومتابعة طبية يومية، وهنا افتح قوسا لأتمنى له الشفاء ولا أدعو له به كونه ملحدا لا يؤمن بالله.

هذا الصنصال الذي فضحه الفيديو المسرب هذه الأيام وهو يتوسط مجموعة من الإسرائيليين بتل أبيب يقص عليهم كيف استطاع لوحده جر الجزائر إلى المشاركة في منتدى دافوس forum de davos  عام 1996 بعد أن أقنع صديقه الوزير عبد السلام بوشوارب بالفكرة، (ذرية بعضها من بعض) وكيف التقى سريا بممثل إسرائيل على هامش ذلك الملتقى.

الرد بالثقيل

وفي الأسبوع الماضي، وبعد رفض الجزائر استقبال المؤثر الجزائري بوعلام نعمان الذي ابعدته فرنسا بتهمة التحريض على العنف، انبرى السفير السفيه xavier كعادته  للاحتجاج و اقتراح الرد بالثقيل على الجزائر بسلسلة من الإجراءات الردعية أولها منع طائرات الخطوط الجوية الجزائرية من الهبوط بمطارات فرنسا لحرمان الجزائريين من السفر وإثارة حفيظتهم وتأليبهم ضد مسؤولي بلدهم وإسقاط النظام الذي يرفض التعامل مع فرنسا!

وبالطبع نسي هذا المتطاول أن يصنف أقوال صنصال عن تاريخ الجزائر وشهدائها وعن الإسلام في خانة زرع الكراهية والدعوة إلى العنف كما فعل مع  أقوال المؤثر بوعلام دحمان بل صنفها في خانة حرية التعبير مادام الأمر يتعلق بالجزائر وليس بفرنسا.

الغرق في فنجان قهوة

ونسي كذلك وكل مواطنيه الذين تناولوا هذا الموضوع أن يعترفوا أن سبب رفض الجزائر استقبال المؤثر بوعلام دحمان موضوعي ومؤسس قانونا ويهدف إلى تمكين المعني بالأمر من البقاء بفرنسا للدفاع عن نفسه أمام محاكمها لا غير، ولكنها الكراهية التي تعصر قلوبهم  والغرور والكبرياء اللذان يفقدان البصيرة ويشلان المخ عن التفكير الموضوعي في الأشياء والأحداث وهذا ما يحول بينهم وبين رؤية الأمور على حقيقتها وهذا بالتأكيد وسبب هذا التيه وفقدان البوصلة وغرق الطبقة السياسية الفرنسية في فنجان قهوة.

ولم يكتف السفير سيء الذكر بالتحامل على الجزائر والتحريض على كراهيتها بل وصل به الحقد إلى التحامل على الشخصية السياسية الفرنسية الأكثر  احتراما و اتزانا في المشهد السياسي الفرنسي الحالي السيد Jean-luc mélenchan رئيس حزب فرنسا المتمردة la France insoumise  لأنه وقف مع الحق ومع القانون الدولي في الخلاف القائم بيننا وبين فرنسا ورفض التصعيد  ودعا على لسان رئيسة مجموعته البرلمانية السيدة المتألقة   Mathilde Panot   إلى توقيف الحملة المسعورة التي يقودها اليمين المتطرف ضد الجزائر بدعم الصهيونية العالمية.

وهكذا يتضح جليا أن الشغل الشاغل لهذا السفير ومهمته الأساسية بعد إحالته على التقاعد هو التحامل والتآمر على الجزائر ويظن نفسه يمتلك أدوات المؤامرة التي من شأنها أن تطيح بها إذا لم تستجب لأوامر فرنسا، وهو بكل تأكيد وأهم ولم يحفظ الدرس مثله مثل من سبقوه وحاولوا طيلة 132 سنة وغادروا الجزائر مذلولين مدحورين يجرون أذيال الخيبة و الهزيمة…(صعيييبة عليك الجزائر يا سعادة “السفيه”، صعييييبة بزاف).

ولأن المؤامرة أخذت طابعا وطنيا في فرنسا فلقد تسابق المسؤولون الفرنسيون للإلقاء بدلائهم فيها محاولين الضغط على الجزائر، وهنا نسجل تصريح الرئيس ماكرون macron الذي يقول فيه وبخبث كبير بأن صديقه بوعلام موقوف بصفة تعسفية من طرف النظام الجزائري (ولم يقل من طرف الجزائر) وذلك بحثا عن عزل النظام عن الشعب في رأيه، هكذا ينظرون إلينا كلعبة بين أيديهم وهذا هو حكمهم علينا وهذا هو سبب إخفاقاتهم في دسائسهم المتكررة ضدنا.

ثم يزيد ماكرون في تطاوله ويتجرأ بطلب إطلاق سراحه فورا وكأنه يخاطب رئيس بلدية مرسيليا وليس دولة مستقلة ذات سيادة  اسمها الجزائر.

وربما هذا ما شجع وزيره للداخلية bruneau rétailleu على التصريح بأن الجزائر أرادت  إهانة فرنسا برفضها استقبال المؤثر بوعلام دحمان وبأن الوضع معها بلغ عتبة مقلقة جدا.

ومن جهته تبنى وزير العدل  darmanin مقترحات السفير وعدو الجزائر xavier ونادى  إلى ابتزاز الجزائر بالتلويح بإلغاء اتفاقية 1968 واتفاق الإعفاء من التأشيرة الممنوح للجزائريين الحاملين جوازات سفر ديبلوماسية، (ولقد فصلنا في هذا الأمر في الحلقة الماضية).

وأمام تسارع هذه الأحداث، أعرب وزير خارجية فرنسا Jean- Noel barrot عن رغبته في زيارة الجزائر لتدارس الموضوع شريطة تلقيه دعوة رسمية من طرف زميله الجزائري، وهو الطلب الذي رفضه رفضا قاطعا وزيرنا للخارجية السيد أحمد عطاف لما فيه من تعالي تتمسك فرنسا به في تعاملها مع الجزائر.. فشكراً وألف شكر للسيد أحمد  عطاف.

هذه مجمل الوسائل والإجراءات التي لوح بها الرسميون وغير الرسميين الفرنسيين  لتخويف الجزائر التي ظل مسؤولوها يراقبون الوضع عن بعد ولم يدخلوا معهم في متاهات ومستنقعات الكلام الفارغ.

ولما قرر السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الاعفاء على المساجين وعلى بعض الموقوفين على ذمة التحقيق، سارع الفرنسيون إلى القول بأن الجزائر قد رضخت لأوامر فرنسا وأن هذا الإجراء الاستثنائي من حيث المضمون والتوقيت إنما جاء كغطاء لحفظ ماء الوجه لإطلاق سراح بوعلام صنصال، وتسابقت الأبواق الإعلامية اليمينية في استقراء هذا القرار الرئاسي الجزائري (وباعت جلد الدب قبل اصطياده) واجمعت كلها على قرب تسريح  بوعلام وعودته إلى فرنسا منتصرا مزهوا، ممشوق القامة مربوط الشعر، بل هناك بعض المتزلفين من الخونة الجزائريين بأوروبا من سارع إلى القول بأن بوعلام صنصال أفرج عنه وأنه يتجول بشوارع باريس!.

غير أن خطاب السيد رئيس الجمهورية أمام البرلمان بغرفتيه ووصفه له بالعميل المبعوث في مهمة استفزازية فاجأهم ولما لم يفرج عنه اسقطهم أرضا وفعل بهم ما كان يفعل اللاعب الدولي عصاد بمنافسيه عند مراوغاتهم باستعمال تقنية الغراف.

أختم بتوجيه نداء في فائدة العائلات هذا نصه:

تبحث السيدة المحترمة المبجلة وسيدة الحرائر  “الجزائر” عن أبنائها من ساسة وكتاب وشعراء و فنانين وجامعيين وجمعويين وصحافيين وإعلاميين وعلماء ودعاة ومؤرخين ومحامين وقانونيين وباحثين ورسامين ونحاتين وإطارات عاملين ومتقاعدين من الجنسين، الذين اختفوا عن المشهد وغابت صورهم في الشاشات وانطفأت أصواتهم في القنوات وجفت أقلامهم في الصفحات ولم تسمع لهم همسا في الدفاع عنها في هذا الظرف العصيب، إنها  تتمنى أن لا يكون قد أصابهم مكروه، وأن الخوف من فقدان تأشيرة فرنسا لم تنسيهم حلاوة الحليب الذي رضعوه من ثديها ونقاوة الهواء الذي استنشقوه والخيرات التي تنعموا بها في ربوعها  وأن اليوروات les euros الممنوحة لهم عن سويعات التدريس والعمل كمتعاقدين (محظوظين) بالمؤسسات الفرنسية لم تنسيهم أصولهم، و تطلب من كل من يلتقي بهم تبليغهم هذا النداء العاجل فلعل وعسى.

دمتم في رعاية الله وحفظه وفي خدمة الوطن الغالي المفدى.

الهاشمي جعبوب

سياسي جزائري تولى مناصب إدارية وسياسية وبرلمانية، كما عيّن وزيرا للصناعة ووزيرا للتجارة ووزيرا للعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي

شاركنا رأيك