تواصلت التهديدات الفرنسية الرسمية وغير الرسمية الموجهة ضد وطني الجزائر على خلفية إيقاف بوعلام صنصال، وتسابق ممثلو الأحزاب والبرلمانيون والشخصيات السياسية والأدبية والإعلامية اليمينية المتطرفة المدعومة بالصهيونية العالمية لصب الزيت على النار واقتراح استعمال مختلف الأساليب الردعية والآليات السياسية والاقتصادية للضغط على الجزائر وإرغامها على تنفيذ “أوامر” فرنسا ( دركي إفريقيا le gendarme d’afrique) كما كان يسميها الراحل هواري بومدين.
كنت على شبه يقين كما صرحت بذلك في لقائي مع الصحفي المتألق قادة بن عمار أن قضية (بوعلام) ما هي إلا الجزء المرئي من جبل الثلج المخفي الذي يمثل المؤامرة المحكمة المحاكة من طرف قوى الشر ضد وطني.
لقد تزاحمت وتناغمت ردود أفعال وأصوات الطبقة السياسية الفرنسية اليمينية المتطرفة وتسارعت في دعوتها للضغط على الجزائر لإطلاق سراح مدللهم (بوعلام) ثم أعقبتها أصوات الرسميين الفرنسيين في نفس الاتجاه وأكثر، وغاب أي صوت مخالف لهذا التوجه العدائي.
و يمكن تلخيص وتقديم هذه الهجمات العدائية ضد الجزائر فيما يلي:
دعوة رئيس الطابور الخامس الفرنسي بالجزائر السفير السابق بالجزائر Xavier driencourt إلى إلغاء اتفاقية 1968 المبرمة بين الجزائر وفرنسا والمتعلقة بدخول الجزائريين وإقامتهم بالتراب الفرنسي .
وجب التذكير أن هذه الاتفاقية جاءت كتقليص لمحتوى اتفاقيات إفيان التي نصت على حرية تنقل وإقامة الجزائريين بفرنسا والفرنسيين بالجزائر.
لقد حرص الوفد الفرنسي المفاوض آنذاك على إدراج هذه التسهيلات لصالح المعمرين من الأقدام السوداء لظنه أنهم سيفضلون البقاء بالجزائر، ولكن وبعد مغادرتهم الجماعية لوطننا أصبحت تلك التسهيلات في صالح الطرف الجزائري لوحده لذلك سعت فرنسا لتقليص ذلك الحق ووضعت له شروطا إضافية لتضييق الاستفادة منه وهذا ما تضمنته بنود اتفاقية 1968.
ضغط #فرنسي في توقيت حساس لإلغاء اتفاقية 1968 مع #الجزائر.. إليك التفاصيل pic.twitter.com/ULMVpIhjgQ
— أوراس | Awras (@AwrasMedia) June 7, 2023
هذه الاتفاقية التي وصفها الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون بالشرنقة الفارغة لأن الزمن تجاوزها ولعدم تطبيق الطرف الفرنسي لأغلبية ما تضمنته من التزامات، ضف إلى ذلك فإن إلغاء هذا الاتفاقية سيخضع العلاقات الجزائرية في مجال الهجرة والعمالة إلى اتفاقيات إفيان السارية المفعول إلى الآن، و هي أكثر نفعا للطرف الجزائري – في هذا المجال على الأقل-، لأنها تمنح حرية تنقل الأشخاص بين البلدين دون قيد أو شرط، أي بدون تأشيرة!
وبالتالي فإن لفرنسا حرية الاختيار بين الإبقاء على هذه الاتفاقية أو إلغائها والعودة إلى اتفاقيات إيفيان.
كما يطالب السفير نفسه بإلغاء اتفاقية 2008 التي تعفي الجزائريين والفرنسيين الحاملين لجواز السفر الديبلوماسي من التأشيرة، وذلك حسب قوله لتشديد الخناق على المسؤولين السياسيين والعسكريين الجزائريين المستفيدين من هذه المعاملة التفضيلية وإخضاعهم لطلب التأشيرة، وبالتالي تحكم فرنسا فيهم عن طريق المنح أو المنع.
هنا أقول له، يا ريت لو يسمعك رئيسك ماكرون ويلغي هذه الاتفاقية لقطع الحبل السري مع بلدكم، وتأكد أن الجزائر لن تتضرر أبدا ولن تبالي إذا ما تضرر بعض الأشخاص المتخذين الباريسيين من دون الله عضدا وباريس من دون مكة قبلة.
ويبدو أنه غاب عن ذهن هذا السفير الحاقد على الجزائر أن زيارة باريس لا هي من أركان الإسلام ولا من مقومات وطنيتنا، وأن رفض منح التأشيرة الفرنسية لن يغلق لا أبوب الجنة و لا أبوب العالم في وجوه الجزائريين وأن باريس ليست الوجهة الوحيدة لا للسياحة ولا للتعليم ولا للتداوي.
ومن جهة أخرى، وفي إطار اجتهاداته الكيدية، يقترح نفس الشخص إلغاء الاتفاق الطبي مع الصندوق الوطني للأجراء la cnas . وأظن أن هذا الاتفاق هو الآن في حكم الملغى وأن المرضى الجزائريين الذين كانت تستفيد منهم مستشفيات فرنسا قد تم تحويلهم منذ 2023 نحو مستشفيات إسطنبول حيث يتلقون أحسن العلاجات وبنصف التكلفة التي كانت تفرضها مستشفيات باريس.
و هنا أفتح بابا لأقول لو استعملت الأموال الطائلة التي استفادت منها المستشفيات الفرنسية خلال أكثر من خمسين سنة في بناء مستشفيات جزائرية واقتناء المعدات وتكوين وجلب الكفاءات الطبية لتحررنا نهائيا من التبعية الأجنبية في المجال الطبي، لكن اللوبي الفرنسي وأذنابه من المستفيدين من تلك السياسة كان لهم رأي آخر.
ودائما وفي إطار اقتراح آليات الضغط على الجزائر يقترح السفير نفسه فكرة مصادرة ممتلكات الجزائريين بفرنسا، وهنا وجب تنبيهه هو والرسميين الفرنسيين معه إلى وجوب التفريق بين ممتلكات المغتربين التي امتلكوها بعرق الجبين طيلة سنوات من الغربة والكد والجد والتعب والتي تمنع المواثيق الدولية المساس بها، وبين ممتلكات اللصوص من التجار والمقاولين والمسؤولين الفاسدين الذين هربوا وحَوَلوا الأموال المنهوبة إلى فرنسا وقاموا بتبييضها عن طريق شراء العقارات وإنشاء الشركات الوهمية.
وإذا كان المقصود هو ممتلكات هذا الصنف الأخير من اللصوص والخونة فإن الأولى باسترجاع هذه الأموال المنهوبة هي الجزائر وليست فرنسا لأنها وببساطة هي أموال الشعب الجزائري لا الشعب الفرنسي، مع التذكير أن الجزائر طالبت عشرات المرات ولاتزال تطالب باسترجاع هذه الأموال المنهوبة والمهربة ولكن الطرف الفرنسي رفض التعاون والتجاوب معها رغم أن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والاتفاقيات الثنائية بيننا تنص صراحة على محاربة تبييض الأموال وتسليم الفاسدين من المسؤولين ورجال الأعمال، لكن مصلحة فرنسا كانت في استقبالهم وفرش البساط الأحمر لهم وغض الطرف عنهم للاستفادة مما نهبوا من أموال المجموعة الوطنية الجزائرية واستعمالهم عند الحاجة كبيادق في إثارة القلاقل والفتن داخل الجزائر.
ورغم هذا فإني لا أرى مانعا في مصادرة هذه الممتلكات الفاسدة من طرف الدولة الفرنسية شريطة نشر قائمة أصحابها الفاسدين حتى يعرف الشعب الجزائري من هم الذين خانوه وسرقوا أمواله وهربوا بها إلى دول حامية للفساد والذين حولوا ما سرقوا إلى الخارج وواصلوا التظاهر بخدمة مصالح الشعب ونهب أمواله.
ومن جهة أخرى يقترح الشخص نفسه تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى الربع لدفع المواطنين للغضب والتذمر ثم للتحرك ضد (النظام القائم على التحالف بين الجيش و الإسلاميين حسب أقواله) والضغط عليه للاستجابة لطلب فرنسا وإطلاق سراح بوعلام.
نعم بهذا الاستخفاف وبهذه السطحية ينظر إلينا وبهذه السهولة وبهذا البساطة يرى الجزائر هينة إلى درجة أن خفض التأشيرات الفرنسية من شأنه زلزلة أركانها وإشعال نار الغضب والفتنة بها.
و هنا أسجل استغرابي الشديد من أمر فرنسا هذه، فرغم استعمارها للجزائر طيلة 130 سنة لم تعرف نفسية وعزة وأنفة الجزائريين، وبذلك تظن أن الشعب الجزائري سيثور إذا لم يحصل على التأشيرة الفرنسية وكأنها هي الأكسجين الذي يضمن له الحياة.
ويضيف صاحب نظرية تقليص عدد التأشيرات قائلا بغرور واستعلاء كبيرين أنه يجب على إيطاليا وإسبانيا أن تتعاونا مع فرنسا وتقلصا من عدد التأشيرات التي تمنحها للجزائريين، وكأن هذين البلدين مقاطعتين فرنسيتين؟.
وفي السياق نفسه يقترح غلق العشرين قنصلية جزائرية بفرنسا لحرمان المغتربين الجزائريين من خدمات الشؤون القنصلية لإذكاء غضبهم ضد بلدهم وتأليبهم ضد النظام.
أيها الفرنسيون، لقد جربتم كل طرق الفتنة والتفرقة بين الجزائريين وأنتم مقيمون بينهم طيلة 132 سنة ولم تفلحوا، فكيف تفلحون اليوم وقد دحروكم وأخرجوكم صاغرين من وطنهم ولم تتعلموا من تجاربكم لأنكم وببساطة وكما قال عنكم البطل الفيتنامي وقاهركم الجنرال جياب giap أن بلدكم تلميذ غبي لا يحفظ الدروس!… ولكم في تعاملكم مع الجزائر عبرة لو كنتم تعتبرون.
وللفرنسيين الرسميين وغير الرسميين أقول، اعلموا أن الجزائريين ومهما كان مستوى غضبهم من مسؤوليهم -وهذا ليس شأنكم بطبيعة الحال- فلن يجاروكم في مؤامراتكم ودسائسكم، وأن آخر جنس يمكنهم الاستماع إليه هم أنتم، الفقر والجوع والعطش والحرمان ملايين المرات أفضل عندنا من رضاكم عنا، إن استقلال الجزائر الذي كلف المجموعة الوطنية الملايين من الشهداء والملايين من المفقودين والمعطوبين والأرامل واليتامى غير قابل لا للنقاش ولا للمراجعة ولا للمساومة واستقلالنا هو سيادة قرارنا لو كنتم تعلمون.
ويواصل السفير السفيه ورئيس الطابور الخامس الفرنسي بالجزائر driencourt شطحاته ومساعيه ضد وطني باقتراح الزيادة في نسبة الحقوق الجمركية المفروضة على السلع الجزائرية المصدرة اتجاه فرنسا، وهو بهذا الطرح يكشف عن عور كبير في معلوماته حول القواعد التي تحكم المبادلات التجارية بين بلدينا وعن حجمها .
ففيما يخص التبادل التجاري بيننا وبين فرنسا فهو خاضع للقواعد التي تضمنها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وهو الاتفاق الذي دعا الرئيس عبد المجيد تبون لمراجعته مراجعة عميقة لأنه لا يخدم إلا المصالح الأوروبية وأنه ألحق أضرارا وخيمة بالجانب الجزائري.
وقد سبق لي شخصيا ذات مرة وفي ندوة نظمتها صحيفة الحوار بإدارة الصحفي المتمرس محمد يعقوبي، أن وصفت هذا الاتفاق باتفاق (الشكارة) بالنظر للأموال الطائلة التي جنتها الدول والشركات الأوروبية منه وتحفظت على وصفه باتفاق الشراكة، وقلت إنه عقد إذعان لم يناقش منه الطرف الجزائري أية مادة وأمضاه كما قدم له من الطرف الأوروبي وأن هذه الاتفاقية تكاد ترقى إلى رتبة الخيانة العظمى بالنظر للأضرار الوخيمة التي ألحقتها بالاقتصاد الوطني وللامتيازات الحصرية الكبرى التي منحتها للدول الأوروبية دون مقابل يذكر وعلى حساب الدول الشقيقة والصديقة التي عجزت عن فهم الموقف.
وبالتالي فإذا كان هذا السفير يفكر في تعديل نسب الحقوق الجمركية فلا يجب أن ينسى أنه مجبر على تعديل اتفاق الشراكة وذلك ما نبغي، وحينئذ سيكون للطرف الجزائري قول آخر يسترجع به حقوق الوطن المسلوبة تحت إكراهات ظرفية وتنازلات مشينة.
وفي إطار الحملة المسعورة ضد الجزائر يدعو فرنسي -خبير هو الآخر في التآمر على الجزائر- إلى مراجعة الاتفاقية المتعلقة بالتقاعد ومراقبة المتقاعدين الجزائريين الذين لايزالون أحياء ويتقاضون منحهم رغم تخطيهم سن التسعين سنة من العمر، وكأنهم ملزمون بالموت (مبكرا) للتخفيف من نفقات صندوق التقاعد الفرنسي، أو أن ذوي حقوق هؤلاء المتقاعدين محل اتهام بالتحايل والغش بعدم الإبلاغ عن وفيات أوليائهم المزعومة.
إلى هذه الدرجة وصلت الخسة والنذالة ونكران الجميل في التعامل مع من أفنوا شبابهم في بناء فرنسا بتشييد الأفران العالية لمصانعها وبناء العمارات والجامعات والمستشفيات والمطارات والموانئ وفي شق وتعبيد الطرقات ومد قضبان السكك الحديدية والأسلاك الكهربائية ونصب أبراج الضغط العالي وحفر انفاق الميترو وتزويد كل السكان بالماء والغاز وقنوات الصرف الصحي وتنظيف مدن فرنسا وجمع قاذوراتها .
يتبع…
سياسي جزائري تولى مناصب إدارية وسياسية وبرلمانية، كما عيّن وزيرا للصناعة ووزيرا للتجارة ووزيرا للعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي