لا أعرف إن كان السيد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعلم مدى الإساءة البالغة التي تسبب فيها بكلامه الخطير عن تندوف وموريتانيا والصحراء الغربية، ولا أعرف إذا كان قد سمع فعلا توجيهات ملكه محمد السادس الذي دعا فيها المغاربة إلى كف ألسنتهم عن الجزائر وشعبها، ورفض أي إساءة إلى الجارة الشرقية، بل وطلب ودّ الجزائر في خطاب عاطفي بُثّ بعد يوم واحد من تصريحات الريسوني.
أيهما نُصدق الآن؟ الريسوني المُسيء أما الملك المتسامح؟.. كان على السيد الريسوني أن يجاري خطاب ملكه عوض التجني على التاريخ والحاضر، وعوض الدعوة إلى الزحف على تندوف! وعوض التمادي في التبرير الرديء.
لقد سمعنا -نحن الجزائريون- خطابات فظيعة من سياسيين وإعلاميين مغاربة كالوا فيها التهم إلى الجزائر، ووصفوا الجزائريين بأقذع الأوصاف، وكذبوا على التاريخ والحاضر واستحضروا قاموسا طويلا من السب والشتم، لكن لم نعرهم أي اهتمام باعتبار -ما يحدث في المغرب يبقى في المغرب- لكن أن يطل علينا رئيس هيئة عالمية تتبنى منهج الوسطية والاعتدال وترنو إلى توحيد الصف الإسلامي وتقف سدا منيعا في وجه التطرف والغلو فهذا ما لا نقبله.
لقد أحب الجزائريون -ككل الشعوب- العلماء والدعاة وبجّلوهم واتبعوهم، ومنهم العلماء والدعاة المغاربة الذين وقفوا في صف الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي وناصروا الشعب الجزائري قبل أن تعبث ببعضهم رياح السياسة والتزلف للمخزن.
كان يكفي الريسوني أن يعتذر عما بدر منه، وأن يعترف بوضوح أنه ارتكب خطأ بيّنا، وألا يراوغ يمينا ويسارا ليقول إن كلامه فُهم على غير السياق الذي قيل فيه! أي سياق مولانا؟ التصريح واضح ومسجل صوتا وصورة وغير مجتزئ أو منقوص، وقلت بوضوح أنكم ستزحفون نحو تندوف تحت راية أمير المؤمنين! إلا إذا كنت تقصد الزحف من أجل شرب كأس شاي صحراوي أصيل عند أصحابنا في 8BB وعليك أن تسأل عن “ويتيام بي بي“
لقد أحسن الشيخ علي القرة داغي الأمين العام لهذه الهيئة عندما تنصل من تصريحات الريسوني وردها عليه وقال إنها تمثله وحده، وإن عهدة الريسوني لن تُجدد على رأس الاتحاد، وأشار إلى محبة الجزائريين للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. وهو ما يحدث فعلا، فقد وقّر الجزائريون الرئيس المؤسس لهذا الاتحاد الشيخ يوسف القرضاوي -حكومة وشعبا- وبذلت حكومتنا الغالي والنفيس للترحيب بالعلماء والدعاة منذ عهد مؤتمرات الفكر الإسلامي، في الوقت الذي استقبلت فيه الرباط متطرفين ومسلحين سعوا إلى إسقاط الدولة الجزائرية!
يذكرنا هذا التطاول باستغلال بعض المغاربة لمؤسسات أممية ورياضية وفكرية للترويج للأسطوانة المخزنية المشروخة.. وإني أربأ بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يتحول لمنبر لتبييض وجه النظام المطبّع ويتم استغلاله لبث خطابات سياسية بعيدة عن مستواه الفكري والفقهي الجامع.
انتهت حقبة الريسوني في مخيالنا كمسلمين هذه النهاية المأساوية، لكن لن تنته “الريسونيات” أبدا، مادام المغرب الرسمي يوفر لهؤلاء المنابر من أجل نبز الجيران وغمزهم، وقد يكون هَمَس في آذانهم أيضا من أجل التطاول على الجزائر وموريتانيا التي تحظى بعلاقات متميزة مع الرباط لكنها لم تسلم من “الريسنة”.. فالريسنة فكرة ولا الفكرة لا تموت!
عبد القادر بن خالد، صحافي جزائري وخبير في الإعلام الرقمي، ساهم في الانتقال الرقمي لقناة الجزيرة بعد انضمامه لها سنة 2014 وعمل رئيسا لقسم التواصل الاجتماعي بالجزيرة نت قبل استقالته نهاية 2021، يعمل حاليا مديرا للابتكار والنمو في مؤسسة فضاءات إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في المنطقة العربية.