أخذ مسار الانتخابات الرئاسية منحى عكسيا، بعد أن أفرزت مرحلة سحب الاستمارات لحد الآن، وجوها قديمة تحيل الصورة الذهنية للرأي العام إلى نظام بوتفليقة، فجل الوجوه البارزة التي أعلنت نيتها في الترشح كانت مبايعة للرئيس السابق وسياساته حتى الرمق الأخير.
رموز النظام تترشح
لم يمنع الرفض الشعبي روافد العهدة الخامسة من الترشح لرئاسيات 12 ديسمبر، والبداية كانت مع الوزير الأول الأسبق عبد المجيد تبون، الذي أبدى دعما منقطع النظير لبوتفليقة حتى وهو خارج قصر الدكتور سعدان على وقع الإطاحة به من الوزارة الأولى، بعد 83 يوما من تعيينه.
وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، ظل يدافع عن بوتفليقة وانطلق في حملة مسبقة للترويج للعهدة الخامسة مع بقية وزراء حكومة أويحيى إلى غاية آخر أسبوع من الاطاحة ببوتفليقة.
رئيس حزب “التحالف الوطني الجمهوري” بلقاسم ساحلي، هو الآخر استمات في الدفاع عن “استمرارية” الرئيس رغم ظروفه الصحية الصعبة ودافع فيها عن اصلاحات مستقبلية، بل وصفه برجل الاصلاحات منذ 1999، مختلفا عن ملايين الجزائريين الذي خرجوا لرفض العهدة الخامسة.
لم تشفع معارضة رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، المبكرة لبوتفليقة منذ 2004 من تصنيفه ضمن النظام السابق لبوتفليقة، باعتباره كان مديرا لحملته الانتخابية في عهدته الأولى ورئيسا لحكومته وأمينا عاما لحزب الأفلان، فضلا عن مشاركته في الانتخابات الرئاسية سنتي 2004 و 2014 التي فاز بهما بوتفليقة .
هل يملكون برنامجا غير برنامج الرئيس؟
يضع خيار الشخصيات الثلاث السياسية الداعمة لنظام بوتفليقة (تبون وميهوبي وساحلي) أمام موقف محرج سياسيا، فأدبيات الديمقراطية تفرض على المترشحين امتلاكهم مشاريع سياسية تحل مشاكل البلد، فأي برنامج يملك هؤلاء وهم من عرفوا باستماتتهم في الترويج والدفاع على برنامج ما كانوا يسمونه “برنامج فخامة الرئيس”، فالكل يتذكر خرجاتهم الإعلامية التي لم تخلو من تعويذة برنامج الرئيس، طيلة ممارستهم لمهامهم الحكومية، وحتى الحزبية منها، ووصل الأمر ببعضهم إلى القسم على استمرارية برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مهما كلف الأمر.
هدف الوزراء المترشحون
يتخوف المتابعون من أن ترشح وجوه نظام بوتفليقة، قد يدخل في خطة تكتيكية لجر الناخبين لصالح ما أسموه “المرشح المفاجأة”، وذلك بتنفيرهم من شخصيات كانت محسوبة على مرحلة ما قبل 22 فيفري، حيث قال المحلل السياسي أحمد رباج في حديثه لأوراس: “أنا متخوف من تشتت قوى الموالاة التي عودتنا على توافقها حول مرشح السلطة.. أخشى أن تكون مجرد مسرحية لتمرير شخصية معينة، أتمنى أن يكون قرار ترشح كل منهم على حدا نابع من قناعات خاصة”.
واعتبر أحمد رباج، أن ترشحهم يعكس مدى عمق الأزمة الأخلاقية في الطبقة السياسية الموالية لنظام بوتفليقة، “التي كان الأجدر بها أن تأخذ العبرة من حراك 22 فيفري وتنسحب من الساحة السياسية”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية محمد عمرون أن الأيام القادمة ستوضح المشهد الضبابي والغموض في المشهد السياسي، ويعتقد عمرون “أنه المرجح جدا ظهور الشخصية المفاجأة”، مضيفا أن التحدي الكبير للانتخابات في الجزائر هو إنتاج مرشحين مثلما انتج في تونس.
الحراك والانتخابات
تعتبر الانتخاب الوسيلة الوحيدة لتحقيق مطالب الشعب بإقصاء أحزاب الموالاة من المرحلة القادمة ومعاقبتهم بالصندوق، وفق المحلل السياسي أحمد رباج، “حتى يبقى درسا أخلاقيا لهم يجب التجند والذهاب بأكبر عدد ممكن إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشح الشعب، حتى لا يتركوا كرسي التزوير يفعل فعلته في نتائج الانتخابات”.
ويعتقد المحلل السياسي محمد عمرون، أن التغيير الذي يطالب به الحراك مرهون بقدرة الصندوق في التغيير، مبررا ذلك بعدم قدرة الحراك على إنتاج شخصية وطنية توافقية نزيهة، متابعا بالقول: “ضيعنا فرصة تاريخية للجزائر بأن تحقق نقلة سياسية نوعية، ومع نقص زخم ووحدة الحراك يصعب إحداث التغيير المنشود”.
يرى محمد عمرون، أن استقراء الوجوه المحسوبة على علبة النظام السابق التي ترشحت لحد الآن، تؤكد حالة العطب لدينا في إنتاج نخب سياسية جديدة، وهو الفشل الذي منيت به أحزاب المعارضة التي عجزت عن انتاج نخب وقيادات وهي التي لم تغير قياداتها إلا من خلال انقلاب أبيض أو حالة وفاة القائد، كما فشلت في تعبئة المواطنين لصالحها أو تنتج نخب ولا حتى استقطاب كفاءات إليها.