span>العثمانيون في الجزائر بين التحرير والاحتلال يحي بوزيدي

العثمانيون في الجزائر بين التحرير والاحتلال

أعاد فوز الروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي بالجائزة العالمية للرواية العربية 2020 “بوكر” عن روايته “الديوان الإسبرطي” الجدل حول موضوع الحقبة العثمانية في الجزائر التي يتجدد السجال عنها في كل مناسبة مرتبطة بها.

كالعادة تنقسم الآراء بين مدافع يعتبره تحريرا للجزائريين من الغزو الإسباني، ويكفي أنه حافظ على بقاء الدين الإسلامي في هذه البلاد لكي يحتفى به ويعتبر تحريرا، ومن حججه أيضا أن قدوم العثمانيين كان بطلب جزائري لضعف أهلها حينها، وعدم قدرتهم على مجابهة الإسبان الذين فتكوا بالمسلمين في الأندلس، وكانوا في طريقهم لتكرار الأمر نفسه في الجزائر، لذلك فإن استنجاد الجزائريين بإخوانهم في الدين ليس نقيصة.

أما المعارض فيرى أن المرحلة العثمانية في الجزائر تعد احتلالا لا يختلف عن الاحتلال الفرنسي إلا في بعض التفاصيل، لأنهم منذ وصولهم سيطروا على الحكم، ولم يتركوهم لمن استنجد بهم دفاعا عن الدين، وليس للتسلط والظلم الذي مارسوه في حق الجزائريين حتى أصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة في بلدهم بعد الكراغلة.

بكل تأكيد فإن قضايا تاريخية مثل هذه لا يمكن الفصل فيها في مقالة قصيرة، وعموما فإن كل موقف تاريخي يمكن قراءته من أوجه عديدة، وفي مسار الأنظمة عبر سنوات أو قرون من الحكم؛ يمكن الاستدلال بعشرات المواقف التي تعضد الفكرة أو تدحضها.

غير أن ما يمكن الإشارة إليه بين الموقفين أعلاه أنهما يغفلان البعد التاريخي في الحكم على قضية تاريخية، حيث يستند الرأي المساند على بدايات الحكم العثماني بينما يرتكز الرأي المعارض على نهاياته، وبالجمع بينهما يلاحظ أن من ينعت المرحلة العثمانية بالاحتلال ويشبهها بالاستدمار الفرنسي يبالغ كثيرا ولا مجال للمقارنة بينهما.

وفي المقابل فإن من ينكر وجود مصالح جيوسياسية للعثمانيين بغض النظر عن الخلفية الدينية بدليل علاقته المتأرجحة مع الدولة السعدية أيضا يبالغ، كما أنه لا يمكن انكار التسلط والظلم الذي مارسه العثمانيون في القرون الأخيرة، وتحديدا في العقود التي سبقت سقوطها حيث تحولت إلى أداة في يد القوى الغربية ولعل هذا ما يفسر موقف الشيخ عبد الحميد ابن باديس منها واشادته بأتاتروك من هذه الزاوية، وهنا يتوجب فتح قوس مهم حول استبعاد موقف الشيخ ابن باديس من أتاتروك في تقييم التصور الجزائري له، في حين يستدل بموقف الأعيان الجزائريين أمثال سالم التومي وأحمد بن يوسف، وعبد الرحمن بن علي الشقراني وغيرهم على أن ما حصل ليس احتلال للجزائر.

الزاوية المهمة في هذا الموضوع أيضا أن المواقف ليست معزولة عن الحاضر؛ فهي متصلة بالصعود التركي في العقدين الأخيرين، والجدل المثار حوله خاصة عنوان “العثمانيون الجدد”، ولعل زيارات الرئيس التركي للجزائر في السنوات الماضية وما صاحبها من جدل مؤشر على ذلك.

وفي هذا السياق فإنه كما ليس من الموضوعية محاكمة الماضي بمفاهيم الحاضر؛ فإنه في الوقت نفسه ليس من الموضوعية اسقاط التحرك التركي الحالي وعودتها إلى الشرق على أنها بالضرورة دفاعا عن الدين الإسلامي تحت عنوان الأمة كما فعل العثمانيون في بداياتهم، لأن تتبع السياسة الخارجية التركية ومواقفها من مختلف قضايا وأزمات المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية أن المصلحة الوطنية التركية كانت الموجه الأساسي والرئيسي للأتراك، وهذا ينطبق على الجميع.

بناء عليه يتوجب علينا كجزائريين أيضا أن نحتكم إلى مصالحنا الوطنية التي يجب أن تكون المنطلق في علاقاتنا مع مختلف الدول.

يحي بوزيدي

أستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة جيلالي اليابس -سيدي بلعباس

تابع آخر الأخبار عبر غوغل نيوز

شاركنا رأيك