قررت الجزائر، إعادة فتح الحدود جزئيا، والاستئناف المحدود للرحلات الجوية، وفق شروط وتدابير صحية مشدَّدة ابتداءً من الأول من جوان المقبل. بعد أن تحججت الحكومة الجزائرية لمدة 15 شهرا بالظروف الصحية لغلق الحدود الجوية والبرية والبحرية.
الحل السهل
هل تمتلك اللجنة العلمية الجزائرية معلومات، ونتائج أبحاث، ودراسات عن فيروس كورونا، لا تملكها دول العالم؟
تزدحم أسئلة الاستغراب لدى الجزائريين، والمُقيمين منهم في الخارج على وجه الخصوص. هل تمتلك اللجنة العلمية الجزائرية معلومات ونتائج أبحاث، ودراسات عن فيروس كورونا، لا تملكها دول العالم؟، أم أن الأمر لا يعدو كونه لجوء إلى الحلول السهلة. وليس أسهل ولا أيسر من المنع، منع حركة الجموع البشرية للحد من انتقال العدوى. حل يفترض أن يكون مؤقتا، فلا الظروف الاقتصادية ولا الاجتماعية تسمح بذلك.
غير أن السلطات الجزائرية لم تكن تملك على ما يبدو، إلا هذا الحل، فهي تأخرت كثيرا في توفير جرعات اللقاح، إذ لا نجد أي معطيات إحصائية لتوفره في موقع وزارة الصحة الجزائرية، في حين تتحدث بعض شهادات الأطباء، والعاملين في القطاع الصحي عن تأخر فاضح في توزيع اللقاح وتوفيره. تغيب المعطيات الجزائرية أيضا عن مؤشرات اللقاح العالمية.
تغرق السلطات الجزائرية في حسابات البيدر قبل حسابات الحقل، تأخرت في تأمين طلبيات اللقاح لدى المختبرات المصنعة في وقتها، وأغدقت على الجزائريين وعودا بصناعة اللقاح الروسي في مصانعها، لكفاية طلبها المحلي ومن ثم تصدير الفائض منه إلى البلدان الإفريقية. كلام السياسة معسول، ولكنه محفوف بالمخاطر، والعمليات التنظيمية، واللوجستية، وتحديات الوضع الاستثنائي.
مئات من الجزائريين في دول العالم المختلفة على وشك إيداع شكاوى لدى هيئات حقوقية وإنسانية، من بينها هيئات تابعة للأمم المتحدة
تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر مناشدة الجزائريين الرئيس عبد المجيد تبون السماح لهم بدخول بلدهم، في سابقة لم تشهد لها دول العالم مثيلا، فكل الدول تفرض شروطا صحية، وشهادات تطعيم على القادمين إليها، وقد تلجأ مؤقتا إلى غلق حدودها لفترة محدودة، للحد من انتشار الوباء. أما أن تغلق الحدود لمدة 15 شهرا، وعلى المواطنين الجزائريين على وجه الخصوص، فذلك أمر محير بالفعل.
قصص عجيبة!
لا تعدم الأخبار أمثلة عمن تقطعت بهم السبل في مدن العالم ومطاراته، بل ونقلت تلفزيونات كثيرة صورا وشهادات لجزائريين يرغبون في العودة إلى بلادهم وتمنعهم حكومتهم من ذلك، بحجة عدم حصولهم على تصريح دخول. تصريح تحول ولمدة 15 شهرا إلى تأشيرة فرضتها السلطات الجزائرية على مواطنيها، ولا تمنحها إلا بعد معاناة وتأخر شديدين تفرضهما بيروقراطية الإدارة الجزائرية، التي ترمي المسؤولية على بعضها البعض، فمرة أوكل أمر استصدار التراخيص إلى وزارة الداخلية، ومرة أخرى إلى وزارة الخارجية والقنصليات. ليتحول معها الواقع المرير إلى مشهد سوريالي بامتياز.
أحد العاملين في الدوحة لم ير زوجته وبناته لأكثر من 14 شهر، استطاع بعد جهد جهيد تدبر سفره على متن رحلة للخطوط الجوية القطرية. وصل مطار هواري بومدين بالجزائر، لكنّ أمن المطار منعه من دخول وطنه، وطُلب منه العودة على نفس الرحلة بحجة أن تصريحه منتهي الصلاحية، تم ذلك بالرغم من حصوله على شهادة تثبت أخذه لجرعتي اللقاح.
جزائري آخر قادم من جنوب إفريقيا رُفض دخوله إلى بلاده التي لا يحمل جوازا آخر غير جوازها. فرضت عليه سلطات المطار العودة من حيث أتى، وبما أن تأشيرة زيارته لجنوب إفريقيا كانت قد انتهت، نصحه ضابط الجوزات بالسفر إلى أي دولة لا تفرض تأشيرة على الجزائريين، والتقدم بطلب تصريح لدخول الجزائر من القنصلية هناك. رُحِّلَ إلى تنزانيا التي لم يعرفها يوما، ولم يتوقع ان يزورها في حالة لجوء.
View this post on Instagram
جزائريون آخرون عالقون في الخارج يناشدون بلادهم السماح لهم بالعودة إلى الديار، ويستغربون منع دخولهم المستمر، بعد أن تقطعت بهم السبل، وانتهت عقود عمل الكثير منهم في الخارج. “من حقي ندخل بلادي” وسم انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، عبر فيه الجزائريون المقيمون في الخارج عن مناشدتهم السلطات الجزائرية فتح الحدود أمامهم، مع أخذ كل الإجراءات الصحية اللازمة لذلك.
مبادرة جماعية أخرى تقدمت بها جمعيات الجاليات الجزائرية المقيمة في الخارج، لحث السلطات على فتح الحدود، قدمت لأجل ذلك مقترحات وحلولا عملية، وبادرت إلى السماح لها بالتنسيق مع السفارات، والجهات المختصة من وزارات الصحة والداخلية وغيرها من الإدارات الجزائرية المعنية. بل وتطوعت الجمعيات المذكورة لمساعدة السفارات إن لزم الأمر في تفويج المقيمين لزيارة بلدهم.
وقعت الجاليات الجزائرية المقيمة بالخارج بيانا طالبت فيه الرئيس تبون بإعادة فتح الحدود بعد أشهر طويلة من الغلق. جاء في البيان، أن “الآلاف في الخارج يعانون الويلات بعد أن أصبحوا عالقين، فمنهم من غادر الوطن للعلاج وانتهت فترة علاجه، ومنهم الطلبة الذين انتهت فترة دراستهم، ومنهم العمال والموظفون الذين انتهت عقود عملهم أو تم تسريحهم من وظائفهم، ومنهم المقيمون الذين تعطلت مصالحهم في الجزائر، أما المؤلم أكثر فيشترك فيه المئات الذين فقدوا والديهم وأحبابهم، إذ لم يتمكنوا حتى من حضور جنائزهم لتوديعهم”.
شرط تعجيزي آخر يُضاف إلى كاهل الجزائريين، إذ قررت اللجنة العلمية شرط 36 ساعة فقط كصلاحية لشهادة الفحص الخاص بكورونا
فتح الحدود بشروط!
لم يفرح الجزائريون في الخارج بقرار فتح الحدود الجزئي للحدود مؤخرا، جاء متأخرا جديدا وقليلا جدا باستعارة قول الحبيب بورقيبة المشهورة. اقتصر قرار فتح المجال الجوي على ست رحلات فقط في بلد شاسع المساحة، كان تنزل بمطاراته قبل الجائحة عشرات الطائرات يوميا ومن كل بقاع العالم، منها 34 رحلة من فرنسا وحدها.
لا تكفي الرحلات المقررة البتة، فعدد الجزائريين القاطنين في الخارج ودون توفر إحصائيات رسمية يُعد بالملايين (بعض الأرقام غير الرسمية تتحدث عن 8 ملايين، معظمهم في أوروبا، وفرنسا على وجه الخصوص). شرط تعجيزي آخر يُضاف إلى كاهل الجزائريين، إذ قررت اللجنة العلمية شرط 36 ساعة فقط كصلاحية لشهادة الفحص الخاص بكورونا. تعرف اللجنة أن استخراج هذه الشهادة، والسفر بها خلال هذه المدة صعب جدا، إن لم يكن مستحيلا خصوصا على المقيمين في دول الخليج والأمريكيتين والدول الآسيوية. فهؤلاء يحتاجون إلى 72 ساعة لصلاحية الشهادة كما تفعل بقية دول العالم، نظرا لبعد بلدان إقامتهم، واضطرارهم أحيانا إلى ركوب رحلات الترانزيت لعدم توفر طيران مباشر للجزائر.
كان مئات من الجزائريين في دول العالم المختلفة على وشك إيداع شكاوى لدى هيئات حقوقية وإنسانية، من بينها هيئات تابعة للأمم المتحدة، مرفقة بملفات تثبت تعرضهم وذويهم للضرر المادي والمعنوي جراء غلق الحدود أمامهم. يلجأ هؤلاء مرغمين إلى تدويل قضيتهم، يأخذ ذلك كثيرا من سمعة الجزائر ويخدش هيبتها.
انتبه القائمون على حال البلاد لخطورة مثل هذا الأمر، استبقوه بالاستجابة لطلب المقيمين في الخارج بزيارة أهلهم وذويهم ووطنهم، ولكنها كانت استجابة رفع عتب ليس إلا. فالرحلات الست المسموح بها “مؤخرا ” لا تلبي حاجة الناس الملحة للسفر، كما أنها تؤدي إلى ارتفاع أسعار التذاكر، واستغلال جيوب المسافرين، والإفراط في المحسوبية من أجل الحصول على تذاكر السفر على متن الخطوط الجوية الجزائرية بالخصوص، والتي تعيش حالة من الإفلاس قد تأتي على ما بقي منها.









لا يوجد تعليقات بعد! كن أول المعلّقين