المؤتمر الدولي للتعاون والهجرة.. الهجرة السرية بين خطورة الوضع والمصالح الضيقة فيصل إزدارن

المؤتمر الدولي للتعاون والهجرة.. الهجرة السرية بين خطورة الوضع والمصالح الضيقة

انعقد المؤتمر الدولي للتعاون والهجرة، المنتظر، في قصر شيجي بالعاصمة الإيطالية روما، برئاسة رئيسة المجلس الحكومي الإيطالي جورجيا ميلوني، وبحضور ممثلي دول حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط والخليج العربي، من رؤساء دول ورؤساء حكومات.

كما كان منتظرا، فقد أوفت ميلوني بوعدها لتنظيم هذا المؤتمر، الذي جاء في وقت عصيب من العلاقات الدولية، على وقع النزاعات المسلحة وموجات الهجرة السرية التي ما زالت تحصد الأرواح في حوض المتوسط وفي غيره.

لقد أسندت لهذا المؤتمر مهمة البحث عن حلول للمشاكل التي تعاني منها الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وكذا المناطق المحاذية لها، لا سيما منطقة الساحل التفريقي وإفريقيا الشرقية أين يحتدم الصراع على السلطة في السودان، وأكدت على أهداف واضحة وهي:

‌إطلاق خارطة طريق دولية لتنفيذ تدابير ملموسة للنمو والتنمية في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا.

‌معالجة الأسباب الجذرية لتدفقات الهجرة غير النظامية.

‌إيجاد حلول لحماية البيئة
‌مواجهة تحديات تنويع الطاقة وتغير المناخ
تعددت الأسباب والمحنة واحدة.

قد تبدو هذه الأهداف نبيلة وسهلة التحقيق، لكن عند تشخيص ظاهرة الهجرة، تبدو لنا العملية شبه مستحيلة، لأن الأسباب أعمق وأعقد مما نتصور، فهي ليست محلية ومحدودة في الزمان والمكان، لكن أسبابها وتداعياتها مرتبطة بالمناخ الدولي برمته،  وبالنظام الدولي السائد، الذي يلد الأزمات والنزاعات المسلحة، والفوارق الاجتماعية، الاقتصادية والبيئية.

فحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة (IMO)، عدد الذين أجبروا على الرحيل 89.3 مليون عبر العالم، و قد تم إحصاء عدد طلبات اللجوء من طرف المحافظة السامية للاجئين بحوالي 4.6 مليون لاجئ، علما أن عدد اللاجئين 21.3 مليون (50 بالمائة منهم لديهم أقل من 18 سنة) بالإضافة إلى 5.8 لاجئ فلسطيني الذين تم إحصاؤهم من طرف الأونروا.

بالمختصر المفيد، يكره شخص على الفرار من مقر سكناه كل ثانيتين.

كما سبق وذكرنا، فإن أسباب الهجرة السرية عميقة  ومعقدة، فأولى هذه الأسباب، الفقر والأزمات الاقتصادية التي توالت منذ عقدين من الزمن، مما يؤدي بمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعدون ضحايا هذه الازمات إلى الهجرة بأي وسيلة كانت بحثا عن رغد العيش في الضفة الأخرى أو في مكان آخر من هذا العالم.

أضف إلى ذلك الحروب بشتى أشكالها وأنواعها، ولعل تصاعد هجمات المنظمات الإرهابية في منطقة الساحل في كل من مالي، بوركينافاسو والنيجر، وصولا إلى نيجريا وخليج البنين، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في السودان والذي زادت من وطأة العوز وهشاشة الوضع الذي كان كارثيا من قبل، كل هذه النزاعات لا تترك أي خيار أمام العائلات المعزولة إلا الفرار، واللجوء إلى الأماكن الآمنة بحثا عن الأمن وما يسد رمقهم.

للنزاعات الطائفية والعرقية نصيب من معاناة الفارين أفرادا وجماعات، فحرب الأهلية في السودان قد ضاعفت من حدة هذه النزاعات في دارفور، بالإضافة إلى لجوء بعض الأقليات إلى التمرد والعمل المسلح في إثيوبيا وإرثيريا، ونجد دائما المدنيين هم من يدفع الثمن باهضا في نهاية الامر.

من غير المنطقي عدم ذكر القمع السياسي ومصادرة الحريات التي أضحت من سيمات أغلب الانظمة السياسية في دول الجنوب فما يحدث في تونس من احتقان سياسي، وإهدار للحريات في السودان و قمع المتظاهرين في السينغال، بالإضافة إلى تصاعد عدد سجناء الرأي في كل من مصر ودول شمال إفريقيا تدفع بالآلاف ممن ضاقت بهم السبل وانسدت أفقهم إلى محاولة المغامرة عبر الوسائل المتاحة للالتحاق بالضفة الأوربية أملا في الكرامة والأمن.

إن الكوارث المناخية والطبيعية قد فاقمت من تنقل الأشخاص بأعداد كبيرة نحو دول الشمال، من جفاف، تصحر ونقص في الموارد المائية، بالإضافة إلى الكوارث الجوية التي تحصد في الأرواح والبنى التحتية، فهذه الكوارث ترغم الملايين من البشر على الهجرة إلى أماكن آمنة.

الهجرة السرية

إن من نقاط الخلاف التي تعرقل رأب صدع البيت الاوربي، هي الهجرة السرية التي وضعت الثقة المتبادلة بين الدول الأوربية و كذا التضامن المعلن لهذه الدول على المحك، فمنذ بداية السنة الجارية، تضاعفت الاجتماعات الرسمية على مستوى البيت الأوربي للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، لكن دون جدوى.

هناك خلافات عميقة حالت دون وضع سياسة مشتركة لمكافحة الهجرة السرية بين الدول الأعضاء، وأمام رغبة الدول الأعضاء في إبرام اتفاقيات تعاون وتنسيق مع الدول المصدرة للمهاجرين، ثمة معضلة حقيقية هي إما وجود بعض هذه الدول في مناطق صراع مسلح يحول دون التوصل إلى تطبيق مثل هذه الاتفاقيات، أو تحكم أنظمة مستبدة في البعض الآخر، أين يصعب معالجة الظاهرة معالجة ناجعة، لأن قضية الهجرة أضحت قضية جيوسياسية شاملة تقتضي حلولا شاملة و في إطار مؤسسات إقليمية كبيرة وتنسيق على أعلى مستوى.

في عام 2022 ، تم تقديم ما يقرب من مليون طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي وكذلك في سويسرا والنرويج. لم يكن هناك مثل هذا العدد من قبل منذ عام 2016. وقال وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر إن على الدول المعنية اتخاذ إجراءات صارمة .

و على هامش اجتماعاتها الرسمية، أعلنت المستشارة الفيدرالية أليزابث بوم-شنايدر أنها تعارض الاستعانة بمصادر خارجية (إعادة التوطين في الخارج) لإجراءات اللجوء ، كما خططت لها بريطانيا العظمى مع رواندا.

وقالت “هذا غير وارد”، لا سيما بسبب غياب الأسس القانونية لذلك، ولقد لاحظنا غياب كل من ممثلي فرنسا وإسبانيا على طاولة الحوار خلال هذا المؤتمر ، و هذا يعطي انطباعا على وجود خلافات عميقة حتى بين دول جنوب البحر المتوسط.

ما يمكن ملاحظته هو أن المقاربة الأوربية للموضوع ما زالت سطحية، مشتتة وبراغماتية للغاية.

أي أن الأوربيين لم يستطيعوا التغلب على أنانيتهم في تعاملهم مع الموضوع.

أما عن دول الجنوب فهي عاجزة كل العجز في معالجتها بسبب مشاكلها الهيكلية التي أفرزت هذه الظاهرة.

وليست لديها أي رؤية واضحة لطرح الموضوع وإيجاد مخرجات له، وتكتفي في أغلبها في سن قوانين ردعية ضد الذين يحاولون الهجرة بطرق غير قانونية أو استصدار فتاوي شرعية تحرم الهجرة السرية، دون بلورة سياسات واقعية لمعالجة المعضلة.

فيصل إزدارن

دكتور باحث في علم الاجتماع السياسي - باريس

شاركنا رأيك