كشفت الرئاسة الفرنسية، أمس الأحد، تشكيلة حكومة سيباستيان ليكورنو (المستقيل)، التي جاءت بعد سلسلة من المشاورات السياسية داخل قصر الإليزيه.

وضمت الحكومة أسماء وُصفت بأنها استمرار للنهج القائم منذ بداية عهد ماكرون الثاني، مع تغييرات محدودة في الوزارات التقنية، مقابل تثبيت شخصيات أساسية في مواقع القرار.

روتايو يضمن بقاءه

برز اسم برونو روتايو مجددًا ضمن الحكومة الفرنسية الجديدة، محافظًا على حقيبة الداخلية التي يشغلها منذ سبتمبر 2024.

وبذلك، يكون روتايو قد كسب ثقة ماكرون في ثلاث تشكيلات حكومية متتالية خلال عامي 2024 و2025، بدءًا من حكومة ميشال بارنييه في سبتمبر 2024، مرورًا بحكومة فرانسوا بايرو في ديسمبر من العام نفسه، وصولًا إلى تشكيلة ليكورنو في أكتوبر 2025.

ووُصف الإبقاء عليه في المنصب، رغم موجة الانتقادات، بأنه رسالة سياسية واضحة مفادها أن باريس لا تعتزم تعديل نهجها تجاه ملفات الهجرة والأمن والإسلام، ولا سيما في ما يتعلق بالأزمة مع الجزائر.

سياسة متشددة ومواقف مثيرة للجدل

ارتبط اسم روتايو بملف الجزائر منذ تعيينه على رأس وزارة الداخلية في أكتوبر 2024، حيث اتخذ منبر الوزارة للتعبير عن مواقفه المتشددة، ما جعله يستعيد جمهور اليمين المحافظ الذي كان قد انجذب إلى مارين لوبان خلال السنوات الأخيرة.

ويُعد روتايو من أكثر الشخصيات الفرنسية صرامة في التعامل مع الجزائر، إذ اشتهر بتصريحات وُصفت بـ“المعادية للجزائر” والمعرقلة لأي مسار تهدئة أو تطبيع بين البلدين، وهو ما جعله في نظر مراقبين أحد “الركائز الصلبة” داخل الحكومة التي تُبقي العلاقات الثنائية في حالة جمود.

وأكمل الوزير الفرنسي عامه الأول على رأس الداخلية في سبتمبر الماضي، وسط تقييمات إعلامية متباينة لأدائه.

 وقد خصّصت قناة “بي أف أم” الفرنسية تقريرًا مفصلًا رصدت فيه طريقة تعامله مع الملف الجزائري، معتبرة أنه تجاوز حدود صلاحياته بالتدخل في قضايا دبلوماسية تقع ضمن اختصاص وزارة الخارجية.

وذكرت القناة أن روتايو استغل ملف الجزائر لتقوية موقعه السياسي داخليًا، في وقت ترك فيه الرئيس ماكرون إدارة هذا الملف الحساس لمستشاريه المباشرين، مع احتفاظه بحق الكلمة الأخيرة في القرارات الدبلوماسية.

وبإعادة تثبيته في الحكومة الجديدة ومنحه رتبة وزير دولة، تُظهر باريس، بحسب مراقبين، أن صفحة الأزمة مع الجزائر لم تُطوَ بعد، وأن الأشهر المقبلة قد تشهد استمرار الفتور السياسي والدبلوماسي بين البلدين رغم محاولات التهدئة المتكررة.

ويأتي ذلك في سياق أزمة سياسية فرنسية داخلية متفاقمة، بعدما قدّم رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو استقالته بعد يوم واحد من إعلان حكومته، في خطوة زادت المشهد تعقيدًا وأبرزت عمق الانقسام داخل الأغلبية الرئاسية.

وبينما يحاول ماكرون إعادة ترتيب بيته الداخلي، يبدو أن العلاقة مع الجزائر ستظل رهينة التوازنات السياسية الفرنسية، التي تجعل من شخصيات مثل برونو روتايو حجر عثرة أمام أي تقارب حقيقي بين البلدين.

وبما أن رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو قدّم استقالته إلى الرئيس إيمانويل ماكرون بعد ساعات من إعلان تشكيل حكومته، فإن هذا التطور يستدعي إعادة النظر في التشكيلة الحكومية.

ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن روتايو سيحتفظ بمكانة داخل وزارة الداخلية.

يشار إلى أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تعيش منذ نحو سنة كاملة على وقع أزمة دبلوماسية غير مسبوقة، عمّقتها تصريحات ومواقف من داخل الحكومة الفرنسية، خصوصًا تلك الصادرة عن الخارجية والداخلية الفرنسية، التي اعتُبرت في الجزائر مستفزّة وتمسّ بسيادتها.

ورغم محاولات متقطعة لإعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، إلا أن المؤشرات السياسية الحالية توحي بأن الفتور ما يزال سيد الموقف، وأن ترقية روتايو إلى منصب وزير دولة قد تُضاعف منسوب التوتر، في ظل غياب مؤشرات على مراجعة باريس لنهجها تجاه الجزائر أو تبنّي مقاربة أكثر توازنًا في الملفات الخلافية.