span>جمهورية الفيسبوك..خطاب التخوين والكراهية أم الخير حميدي

جمهورية الفيسبوك..خطاب التخوين والكراهية

لم تكد الأيام الأولى من عمر الحملة الانتخابية تنقضي، حتى توسعت رقعة صراع إلكتروني  بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي خاصة “فيسبوك”، حول موقفهم من تأييد المسار الانتخابي بظروفه الحالية، أو رفضه لأنه لم يستكمل شروط نزاهته، انقسام افتراضي سمح ببروز  خطاب يقوم على التحريض والكراهية وتخوين الآخر، أرجعه بعض المختصين إلى القهر ودرجة اليأس التي وصل إليها الجزائريون بعد تقلص بصيص أمل استعادة سلطة تقرير مستقبل البلاد، الذي كان كبيراً مع انطلاق حراك 22 فيفري، بينما يرجعها البعض الآخر إلى ممارسات ” الذباب الالكتروني” لخلق الكراهية والسب والشتم في أوساط الرافضين لرئاسيات 12 ديسمبر بثوبها الحالي بغية تشويه صورتهم.

جمهورية فيسبوك
آلاف الحسابات الإلكترونية تحاول الانتصار لأفكارها وخياراتها السياسية، لكن يُصادف أن تتحول هذه المساحة إلى مكان للتخوين والانتقام

الفيسبوك يحشد الرأي العام

لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تكتفي  بالتفاعل مع القصص الإنسانية والإطلاع على آخر التطورات وإبداء الرأي فيها، بل بات دورها أكثر عمقاً من خلال قدرتها الكبيرة في توجيه الجمهور لقضايا بعينها بما يحقق قدراً من الإجماع، بل وتسمح بحشد الرأي العام الجمعي خاصة أن مستخدميها يتزايد عددهم يوما بعد آخر، فقد ذكر خبير التكنولوجيا يونس غرار في حديث مع “أوراس” أن عدد مستخدمي “فيسبوك” بالجزائر يفوق 22 مليون حساب، بينما يزيد عدد الحسابات على شبكات  التواصل الاجتماعي الأخرى على غرار  الانستغرام، تويتر ويوتيوب 10 ملايين.

وتعكس التطورات الأخيرة أهمية هذه الوسائل خاصة جمهورية الفيسبوك  في صناعة الرأي العام باستخدام تقنية المباشر والفيديوهات والتفاعل أثناء حصول الأحداث، مثل مسيرات باب الواد الليلية التي لم تكن لتظهر لولا وجود وسائل التواصل الاجتماعي بسبب التعتيم الممارس من طرف  وسائل الإعلام التقليدية يضيف غرار.

كما أن الخصائص التي تمتاز بها حسب الخبير في التكنولوجيا تجعلها أكثر تحرراً من السلطة، إذ يملك الأشخاص حرية فتح حسابات على إحدى هذه المواقع دون الحاجة لأي ترخيص من طرف الدولة، يمكن من خلال هذه الحسابات نقل المسيرات مثلا دون أي عائق، ورغم محاولات السلطة لإيجاد آليات لكبحها من خلال التبليغات على أهم الصفحات الناشطة بحجة نشرها للعنف أو التحريض أو عن طريق الذباب الإلكتروني إلا أن تأثير هذه الخطوات يبقى نسبيا، فمن يكون الذباب الالكتروني؟

الذباب الالكتروني.. الفتنة

يعرِّف خبير التكنولوجيا يونس غرار الذباب الالكتروني بأنه مجموعة من الشباب مدفوعٌ لهم، مهتمون بتتبع صفحات أو حسابات شخصيات مؤثرة، وينشرون خطاب الشتم  بطريقة متكررة باستخدام  برنامج خاص، إذ يمكن من خلاله نشر نفس التعليقات ( أو تعليقات متشابهة) لأكثر من 100 مرة، لتشويه صورة بعض الصفحات أو الأشخاص.

كما قد يلجأ الذباب الالكتروني إلى فتح  صفحات متشابهة في الاسم للتشويش على الصفحة  الرسمية  التي يريدون تشويهها، لنشر الإشاعات والدعايات باستخدام الفوتوشوب أحيانا، ونشر رأي أو رسائل مركبة، كما يمكنهم اللجوء إلى التبليغ بحجة وجود خطاب عنيف يساهم في التحريض لتعطيل هذه الصفحة، مرجعا ظهور مصطلح “الزواف” و” خائن البلد” وغيرها من المصطلحات جديدة النشأة إلى الذباب الالكتروني.

الصراع.. بين الإقناع والانتقام

يعتقد محلل علم الاجتماع نور الدين بكيس أنَّ المشكل الأساسي في الصراع الحاصل داخل وسائل التواصل الاجتماعي  يركِّز على اللغة والمصطلحات المحمَّلة بمشاعر الكراهية والتخوين والتجريح للنيل من الرأي الآخر، عكس ما يجب أن يكون من صراع مبني على نقاش الأفكار للتوصل لإقناع الطرف الآخر بعقلانية ودقة هذا الحل للخروج من الأزمة بقوة الحجة والفكرة.

بالمقابل يعتقد يونس غرار أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في خلق جو التضامن بين المحتجين الرافضين للنظام القائم منذ 22 فيفري، حيث ساهم في الحفاظ على السلمية والحضارية والتماسك فيما بينهم، وانعكست هذه الصور في الواقع حتى غدا الحراك نموذجا لدى الدول الأخرى، ويضيف  بأنها استُغلت لنشر الرسائل وتبادل الأفكار والتنسيق بين المجموعة الواحدة.

ويُرجع خبير تكنولوجيا الإعلام الصراع القائم بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لما أسماه “الذباب الالكتروني” الذي يسعى إلى تضليل الرأي العام بنشر الأكاذيب والإشاعات في الصفحات ذات الانتشار الواسع أو ضد أشخاص فاعلين في أوساط الحراك، بتعليقاتهم المتكررة المتتابعة عن طريق 100حساب وهمي تعود لشخص واحد يستخدم برامج معينة تفي بهذا الغرض.

وأكد نور الدين بكيس في حديث مع “أوراس” أنَّ هذا الاحتقان الحاصل في أوساط الجزائريين في الفضاء الافتراضي طبيعي،  ناتج عن تراكمات ولّدت الشعور بالقهر لدى المجتمع خاصة بعد وصوله لقناعة مفادها أنه لا يملك سلطة تقرير حاضره ومستقبله، مشيرا إلى أنَّ تطور درجة الاحتقان لدى الفرد الجزائري وصلت حد المشاعر الملتهبة والطاغية، نظرا للحظة يأس  اصطدم بها، بينما وصلت درجات الأمل أقصاها في بدايات حراك 22 فيفري.

قمع انتقائي

تعرف حركة الاعتقالات في أوساط الرافضين للانتخابات الرئاسية ارتفاعا متزايدا في الأيام الأخيرة، خاصة الوقفات الاحتجاجية  الرافضة لانتخابات 12 ديسمبر المتزامنة مع تجمعات مترشحي الرئاسيات الخمسة، ويعتقد المحللون أن هذه العمليات ساهمت في رفع نسبة الاحتقان لدى المواطنين.

ويقول محلل علم الاجتماع نور الدين بكيس إنَّ عملية القمع وإن كانت لا تهدف إلى وأد الحراك، فهي عملية تعسفية انتقائية لتفادي الصدام بشكل كبير بين المواطنين، إلا أنها ستتحول إلى شرارة تشتعل في منشورات مستخدمي الفيسبوك التي أصبحت فضاءً لتفريغ ألمٍ كبير يتخبط فيه المواطن، نافياً أن تكون تلك التعابير فكاهية تعكس السخرية السياسية لمستخدمي العالم الأزرق الافتراضي.

بينما يُفيد يونس غرار بأن هذه حملة الاعتقالات المنتهجة من قبل رجال الأمن ستُساهم في احتقان كبير وانزلاقات، لكنها لن تؤدي إلى الصدام.

واتهم بكيس فاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي، بتأجيج الأوضاع والتحريض ونشر خطاب التشكيك والتخوين وإضعاف أيِّ مؤشرات تدعو للتهدئة، محمِّلاً جزءً من المسؤولية إلى الأغلبية الصامتة غير المقتنعة بهذا الخطاب، غير أنها ترفض النزول إلى الشارع بسبب عدم قدرتها على المواجهة.

واعتبر أن الحل يكمن في تطبيق إجراءات تُطمئِن الشارع وتمكن من حلحلة الصراع القائم بين الفريقين، والانتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على تسيير الزمن السياسي، وانتهاج المؤسسات الأمنية لسياسة التحفظ ومسايرة المشاعر الملتهبة لدى الفرد الجزائري وتسيير المزاج المرتفع الحاصل في الشارع.

التعليقات مغلقة