span>حكم القرض الحسن من أجل الحج طاهري بلخير

حكم القرض الحسن من أجل الحج

هذا هو حكم القرض من أجل الحج من طرف بنك: BNA

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {لَيأتينَّ على أمتي زمانٌ لا يبقى أحدٌ إلا أكل الربا فمن لم يأكلَه أصابه من غبارِه}. حديث حسن.

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله.

لقد بعث لي كثير من الأفاضل يلتمسون الحكم الشرعي في ما أطلقه البنك الوطني الجزائري حول القرض الحسن المتوجه لفريضة الحج، و قد فرح كثير من المعسورين لجمع هذا المبلغ، بسعادتهم بهذه المبادرة من البنك و استبشروا بها خيرا.

ولكن يقيني، والأمر الواقعي أن أي بنك هو مؤسسة ربحية لا يقدم على أي معاملة بالمجان إلا و كان له فائدة مرجوة إما مادية كما هو محدد من قبل البنك زيادة على المبلغ المقترض، أو معنوية كالإشهار المجاني له.

وانتظرت حصولي على وثيقة العقد، مع الاستفسار على طريقة الإجراء، لأن الوثيقة لا تكفي وحدها، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، تبين لي أن هذه المعاملة تحتاج إلى بسط و تفصيل، وهذا إبراء للذمة و تبصرة للأمة.

قبل الافتاء:

  • أولا: لا نشك في كفاءة و نزاهة الهيئة الاستشارية الشرعية، ولكن قد تغفل عن بعض الجزئيات، أو تقدر المسألة بحسب تعارض المفاسد أو لاعتبارات أنا أجهلها.
  • ثانيا: العلم رحم بين أهله، و يحرم التقليد لمن رأى في نفسه مكنة على ما هو مقبل عليه.
  • ثالثا: من قواعد الشرع: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
  • رابعا: البنك مؤسسة ربحية، وليس جمعية خيرية.
  • خامسا: ما أقدم عليه البنك، ليس في سبيل الله، و إنما يدخل في الإشهار و تلميع صورته، و أكيد هذا ليس بالمجان، و هذا بعيدا عما سأحرره من الفوائد المادية المتحصل عليها.!
  • سادسا: الحج ركن من أركان الإسلام، و أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
  • سابعا: الحج على من استطاع، و الاستطاعة تشمل المالية و البدنية. و{ لا يكلف الله نفسها إلا وسعها}، {لا يكلف الله نفسا إلا ما ٱتاها}
  • ثامنا: لا تقدم على شيء حتى تعلم حكم الله، و من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
  • تاسعا: استنفاد السعي واجب، و لا يصار إلى الرخص إلا عند الضيق و الحرج الملجئ، ولا أراه موجودا.
  • عاشرا: إقبال الناس على شيء، لا يصيره حلالا، ولا يرفع عنه حراما، وكل أدرى بثلثه.

بين يدي الفتوى:

إن ما أعلن عنه البنك بخصوص القرض من أجل الحج شيء جميل، و في صالح الفقير و المحتاج و غير القادر، ولقد سعدت بهذا الخبر، لكن مع التحفظ، لاعتقادي أن البنك مؤسسة ربحية، ولهذا تريثت واستفسرت حتى وصلتني الوثائق، والخبر اليقين ممن تقدموا للحصول على هذا القرض الحسن!

يوجد فائدة ربوية وعدم ذكرها في العقد يعد خرقا للاتفاق، والعقد شريعة المتعاقدين
الكاتب

وبعد اطلاعي على وثيقة العقد المبرم بين المدين و البنك، سجلت النقاط الشرعية التالية:

أولا: ما ذكر في المادة (09) من العقد، والتي تنص على التأمين على الوفاة، ولا أعلم أحدا من أهل العلم قال بجوازه في العالم الإسلامي، إلا ما شذ به العلامة مصطفى الزرقا رحمه الله، وحكى أحد علماء الشام في الدورة العشرين المجمع الفقهي المنعقدة بوهران رجوعه عن ذلك.

وفضلا عن ذلك فإن قرار المجمع الفقهي واضح في المسألة و قاطع في تحريم هذا النوع من التأمين التجاري.

ثانيا: الصورة المذكورة في المادة (09) والتي ذكرت عقب عبارة التأمين على الوفاة (التأمين التكافلي إن وجد.)، و الحقيقة أنه لا يوجد إلا كمشروع مازال محل الدراسة والتحيين، وهو لا يبرر الإقدام على التأمين التجاري.

ثالثا: دفع مبلغ 20000دج، بعد إمضاء العقد وقبل تسليم المبلغ، يعد خرقا للاتفاق، حيث أن المادة التاسعة لم تنص على تقديم المبلغ المحدد، و عدم ذكره أراه من سوء النية المبيتة خشية عزوف عامة الحجاج عن الإقبال عليه. لوجود شبهة الربا المتمثلة في الفائدة المقدرة والمحددة على المبلغ المقروض بحجة التأمين على الوفاة.

رابعا: إن عدم احتساب هذا المبلغ ضمن المبلغ المراد استراجعه، يعد فائدة ربوية قبلية، و إن فسرت بمبررات لا تخرجها عن حرمتها.

خامسا: إن المادة (06) و المتعلقة بطريقة التسديد لا أراها سديدة، و هذا في حالة التأخر عن السداد، وذلك للاعتبارات الآتية: تسديد هذا القرض على ثلاثة أقساط شيء جميل وفي مدة محددة، و إن تم تعجيله فذاك حسن. لكن وجود الغرامة التأخرية أو الجزائية في العقد والمقدرة ب (04%)، فهي غير جائزة، بسبب ما يعتريها من شبهات شرعية مختلفة، تتعلق بالغرر والضرر.

وذلك أن قرار المجمع الفقهي فيما يتعلق بالغرامة الجزائية واضح و محدد في أربعة نقاط :

  • أن تكون الغرامة بقرار قضائي، لا بقرار البنك منفردا.
  • أن يكون تقدير الضرر من خبير متخصص. وتحديدها ب (04%) يعد ضررا بينا في المعاملة، وذلك لأنه سوى بين من تأخر شهرا و من تأخر سنة.
  • الغرامة المالية تكون على المماطل لا على المعسر، فهذا شيء يذكر فيشكر، و قد أحسن البنك عندما فرق بين المماطل والمعسر، وأعطى هذا الأخير فرصا للتسديد.
  • أما كون هذه الغرامات المتحصل عليها تنفق في المشاريع الخيرية، لا أرى فيه مزية تضفي عليه الشرعية، لأنه إذا كان البنك متضررا من هذا التأخير، فلا مبرر من منعه على تحصيل و جبر هذا الضرر و إن لم يكن هناك ضرر حادق بالبنك و لو مع التأخير، فأراه تعسف في التحصيل، وأكل مال بغير وجه حق.

الخلاصة:

من خلال ما سبق بسطه حول القرض من أجل الحج، أرى و الله أعلم بالصواب:

أولا : عدم شرعية هذا القرض لوجود فائدة ربوية قبلية مقدرة ب اثنين مليون سنتيم.

ثانيا: عدم ذكرها في العقد يعد خرقا للاتفاق، والعقد شريعة المتعاقدين، والمؤمنون عند شروطهم. ولا أدري ما هو السبب في عدم تضمينه في العقد حتى يكون المقبل على هذا القرض على بينة من أمره.

ثالثا: إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا. رغم ما ذكره الشيخ خليل في مختصره : (وصح بالحرام وعصى)

قال الشيخ الحطاب في مواهب الجليل: يعني أن الحج يصح بالمال الحرام ولكنه عاص في تصرفه في المال الحرام..

و لا أرى خيرا في حج على الاستطاعة، يدخل صاحبه في العصيان من بابه الواسع، والجمهور على تحريم الحج بالمال الحرام، و هذا ما صرح به الإمام مالك رحمه الله و نص عليه أصحابه. {إنما يتقبل الله من المتقين} {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}

ملاحظة:

فيما يتعلق بالتكاليف الإدارية، مهما كان مبلغها فلا حرج فيها ولا تؤثر في جوهر وحقيقة العقد.

طاهري بلخير

بلخير طاهري الإدريسي الجزائري أستاذ دكتور بجامعة الملك خالد بأبها المملكة العربية السعودية، ماجستير في الشريعة والقانون ودكتوراه في الشريعة والقانون. "نظرية السكوت وأثرها في أحكام الشريعة والقانون" والشهادة العالمية للخطباء والدعاة من دمشق – سوريا

تابع آخر الأخبار عبر غوغل نيوز

شاركنا رأيك