في ظل السياق الإقليمي المتوتر، بادرت الدولة الجزائرية إلى طرح مشروع قانون التعبئة العامة، الذي حظي بتفاعل واسع من مختلف مؤسسات الدولة وحتى من المواطنين.
ويأتي هذا المشروع في وقت حساس، ما يعكس استعداد الدولة لمواجهة أي تهديد محتمل من خلال تفعيل كل مواردها البشرية والمادية ضمن رؤية وطنية شاملة.
وقد انطلقت مناقشة المشروع في المجلس الشعبي الوطني، حيث عقدت لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات اجتماعا هاما بتاريخ 4 ماي 2025، برئاسة هشام صفر.
وخلال اللقاء، استمعت اللجنة لعرض من المديرين العامين للمحروقات والكهرباء والغاز بوزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، أكدا فيه الجاهزية التامة للقطاعين.
وأكد المتدخلان قدرة الجزائر على توفير البنزين والمازوت ومشتقات المحروقات، دعما للمجهود الحربي، مع ضمان استمرارية التوزيع في كافة الظروف.
وقد حضر اللقاء ممثلون عن وزارات الدفاع الوطني والعدل والعلاقات مع البرلمان، ما يعكس الطابع متعدد القطاعات لمشروع التعبئة.
وفي هذا السياق، ثمّن مسؤولو الطاقة مضمون مشروع القانون، واعتبروه خطوة جوهرية لتعزيز أمن الدولة وضمان الجهوزية الطاقوية في الأزمات.
كما شدد المتحدثان على التزامهما بضمان استمرارية خدمات الكهرباء والغاز الحيوية، حتى في أشد الظروف الاستثنائية.
وتعرف التعبئة العامة على أنها آلية شاملة لحشد موارد الدولة البشرية والمادية والمعنوية، لمواجهة حالات الطوارئ أو التهديدات.
ولا تقتصر التعبئة على الجانب العسكري، بل تشمل الاقتصاد والإعلام والخدمات، وكل القطاعات الاستراتيجية في البلاد.
ويتضمن مشروع القانون 69 مادة موزعة على سبعة فصول، تهدف إلى تنظيم وتنفيذ التعبئة العامة وفق ما تنص عليه المادة 90 من الدستور.
وتركز المسودة على تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة، في مواجهة أي خطر يهدد الاستقرار الوطني أو يمس بالسيادة والوحدة الترابية.
ويخول القانون لرئيس الجمهورية صلاحية إعلان أو إنهاء التعبئة العامة، استنادا إلى مداولات مجلس الوزراء.
ومن أبرز ما جاء في المشروع، إدراج عقوبات جزائية صارمة ضد كل من يعرقل التعبئة أو يسيء استخدامها أو يقدم معلومات مغلوطة.
وتشمل العقوبات السجن من شهرين إلى عشر سنوات، وغرامات تصل إلى مليون دينار، لحماية فعالية التعبئة واستقرارها.
ويُعد القانون المقترح مكملا لمنظومة الدفاع الوطني، خاصة بعد إصدار قانون الاحتياط العسكري في 2022.
ويأتي هذا المسعى القانوني ضمن استراتيجية الدولة الجزائرية لتعزيز جاهزيتها الشاملة في ظل تحديات أمنية وإقليمية متزايدة.
يمثل قطاع المحروقات في الجزائر ركيزة أساسية لضمان السيادة الطاقوية وديمومة الخدمات الحيوية.
وتُعد الجزائر من الدول القليلة التي تمتلك بنية تحتية متكاملة لإنتاج وتكرير وتوزيع المحروقات بمختلف أنواعها.
ويشمل ذلك شبكة وطنية متقدمة لنقل الوقود، ومستودعات تخزين واسعة، تسمح بتوفير الكميات اللازمة في حالات الطوارئ.
كما تتمتع البلاد باحتياطي معتبر من النفط والغاز الطبيعي، يؤهلها للوفاء بالاحتياجات الوطنية دون اضطرابات.
وتُعد سوناطراك، الشركة الوطنية للمحروقات، أحد أهم دعائم الاقتصاد الوطني، وتلعب دورا محوريا في تلبية الطلب المحلي.
وقد وضعت السلطات العمومية خططا استباقية لضمان التموين الدائم، بالتنسيق بين وزارة الطاقة ومختلف الفاعلين.
وتوقع وزيرالدولة وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، أن يرتفع الإنتاج الأولي من المحروقات بـ 2.5 بالمائة في 2025، ليصل إلى حدود 206 مليون طن مكافئ نفط.
كما أكد محمد عرقاب، أن الجزائر تسعى للتكيف مع السياق الدولي والاستجابة في نفس الوقت للطلب الوطني المتزايد على الطاقة مع المساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد عبر تمويل الاقتصاد الوطني من خلال الحفاظ على مستويات مقبولة من عائدات المحروقات.