حاوره فيصل شيباني
يكشف الممثل المصري الكبير محمود حميدة، في هذا الحوار مع “أوراس” عن لقائه بالمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة، وكيف رافقه طيلة أيام تواجده في إحدى دورات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كما يتحدث عن رفضه فكرة وضع ترجمة نصية باللغة العربية الفصحى للأفلام القادمة من منطقة المغرب العربي، وعن تأثره بكتابات محمد أركون وعشقه للروائي الطاهر وطار.
قلت في أحد المهرجانات أن الغجر كانوا سبب دخولك عالم الفن و التمثيل، هل يمكن أن توضح لنا ذلك؟
كان الغجر يأتون لزيارة قريتي على فترات متفرقة، ويأتون بكثرة خلال الإجازة الصيفية، وقتها لم أكن قد التحقت بالمدرسة بعد، أحببت غناءهم ورقصهم رغم أن جدي كان يرفض الفنون ويعتبرها قلة حياء، في حين كان لي جد آخر وهو خال أبي يؤوي هؤلاء الغجر ويساعدهم.
بقيت متأثرا بهم وأردت أن أكرر ما يفعلونه، وفعلا بدأت في عمل تمثيليات مع أصدقائي، كما أقوم بتسلية أهلي عبر الرقص والغناء.
وقفت كثيرا على خشبة المسرح، وكنت ولا تزال نجم سينما، حسب تجربتك الشخصية أيهما الأصعب بالنسبة للمثل ؟
الصعوبة في المسرح هو العمل اليومي فضلا عن التدريبات الكثيرة قبل أول عرض، فأنت هنا أمام فعل حي لخلق علاقة بالجمهور، الصعوبة تكمن في تكرار نفس العمل وبالتالي هناك عائق في إعادة خلق الفعل المسرحي، لذلك يجب أن تعرف الوعي واللاوعي والشعور الداخلي والإحساس الخارجي والتعبير الجسدي وهي آلة الممثل، لابد من استكمال الآلة وهي التي تجعلك تشد الجمهور والتمكن من وجدانه.
البعض يتحجج بغياب و حضور الإلهام ولكن هذه حجة بالنسبة لي لا معنى لها، على الممثل أن يكون حاضرا ويشتغل ويتدرب حتى يشد الجمهور.
المسرح ساعدني في السينما كثيرا، وهي أصعب بكثير من المسرح فما تتعلمه على الركح كل يوم تجده في كل لقطة، العمل في المسرح نفعني كثيرا، حيث كنت أحفظ كل المسرحية والأدوار وحتى حركة الديكور والإخراج، ولو ضاع النص يأتون لي فأذكرهم بكل التفاصيل وهذا ما ترك عندي قدرة التواصل بسرعة مع أي فريق أشتغل معه.
في السينما الناس لا تراعي أنها على الشاشة، الموقف الفكري للمثل اتجاه زملائه وما موقفهم تجاهه مهم جدا، وعلى الممثل أن يبقي على وعي تجاه هذا، يمكن أن أحبك وأنت لا تطيقني وهذا يؤثر طبعا على العمل، وهذا ننقله على المسرح، والتمرين على القصة مهم جدا، كما أنني أتنقل بين الأدوار وعندما أرسم الشخصية واللعب يكون منضبطا وكل العناصر موجودة، أبحث عن مشاهدة العمل عن نقائصي وما هي أسبابها.
في النهاية أظن أن من يفضل المسرح على السينما واهم ومفتون ويعيش اللحظة ويرجع للقائه مع الجمهور وينسى أنه سيموت لاحقا، هو منتش بلحظة اللقاء مع الجمهور أما الشريط السينمائي فهو الذي يملك الخلود.
هل توافق على فكرة وضع ترجمة نصية باللغة العربية الفصحى للأفلام القادمة من المغرب العربي بحجة صعوبة اللهجة المغاربية ليسهل توزيعها في المنطقة العربيبة؟
طبعا ضد هذه الفكرة، اقترحت على وزير الثقافة سابقا فاروق حسني تخصيص قاعة وسط القاهرة لعرض أفلام مغاربية حتى نتفتح على تجارب سينمائية مهمة، فلماذا هم يفهموننا ونحن لا؟ نحن لم نحاول فهم هذه اللهجات المغاربية والأمر أبعد من هذا، فالشباب الحالي أذكياء ويحاولون كسر هذا الحاجز، وصادفت شبابا يشترون أغاني جزائرية ويقولون لي لقد تعودنا على اللهجة، فالمسألة تعود فقط بعدها يصبح الأمر سهلا.
سبق وحدثتني عن لقائك بالمخرج الجزائري محمد لخضر حمينة فما الذي دار بينكما؟
محمد لخضر حمينة شخصية مهمة جدا، أذكر أنه كرم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكان يتعامل بغطرسة غريبة، فطلبت من رئيس المهرجان أن يتركني أرافقه طيلة أيام المهرجان وهو ما حصل فعلا، بقيت معه حرصا على خدمته ولازمته طيلة فترة بقائه في المهرجان ولم يكن يعرف أصلا من أكون.
معروف عنك حبك للقراءة، لمن يقرأ محمود حميدة من الجزائر؟
أقرأ للطاهر وطار كما أنني أحب كتابات محمد أركون، أتعامل مع المنطقة المغاربية كبلد واحد، وفعل الرواية أزال الغربة بيني وبين أخي الانسان أينما كان موقعه، مثلا آتي إلى مدينة لأول مرة، أنزل إلى الشارع وأجدني أحد شخوص هذه الرواية ولا أستغرب لأن هذا الفعل يشعرني بالألفة بين الناس ليس لأنني مشهور، ولكن أتصرف بلا وعي بعدها اكتشفت فعل قراءة الرواية.
عبر مسيرتك الطويلة في عالم الفن، اشتغلت مع مخرجين عظماء أمثال محمد خان، خيري بشارة وغيرهم، كما اشتغلت مع مخرجين شباب، هل يمكن أن تشرح لنا الفرق في العمل بينهما ؟
نعم مع محمد خان كانت لي تجارب جميلة في صورة “فارس المدينة” و”الغرقانة” و”يوم حار جدا” ومع خيري بشارة “رغبة متوحشة” و”حرب الفراولة”، كما اشتغلت مع مخرجين آخرين، ولكل واحد موقعه وشخصيته الفنية وأسلوبه، استفدت من الكل على قدم المساواة وعلى قدر طاقتي.
تميز عدد من المخرجين المصريين بأسلوب السينما الواقعية التي تصور حقيقة الحياة بجميع تفاصيلها، منهم عاطف الطيب، صلاح أبو سيف، داوود عبد السيد، محمد خان وغيرهم، كيف ينظر محمود حميدة لمسألة السينما الواقعية؟
بداية لابد أن أسجل اعتراضا على السينما الواقعية كمفهوم، لأن السينما كلها خيال ولكنها وجهة نظر، مثلا عاطف الطيب يأخذها من الواقع ثم يمزجها بالخيال، فعاطف كان يركز ويبحث في مشكلاتنا الاجتماعية التي نغض النظر عنها ولا نناقشها، ندعي أنها لا تنتمي إلينا وغير موجودة، هو ينبهنا بشدة، ويطرق على العقل لكي ننتبه.
السينما هي الخيال، أنا معترض بشدة على كلمة الواقعية، أنت كفاعل اجتماعي تتأثر بما يدور حولك ويؤثر بدوره عليك، كل هذه العمليات عندما تبرز على الشاشة، لابد أن تمر عبر قناة الخيال.
وكذلك عندي اعتراض آخر وهو على تصنيف الشاشة إلى روائي وتسجيلي، الفيلم التسجيلي كذلك هو الخيال الذي صنعه المخرج، ماذا يسجل مخرج الفيلم التسجيلي؟ أكيد واقعا، لذلك بالنسبة لي كله خيال.
يدعي المخرجون أنهم ينقلون ما يؤرق وينغص على الناس معيشتهم، ولكن الجمهور يحب أن يسقط الخيال على الواقع.
أول ما يصدر العمل يصبح فاعلا في الواقع، اقترحت على صديقي الناقد السينمائي والباحث إبراهيم العريس، أن يقوم بدراسة حول فعل تاريخ الشاشة في تاريخ الواقع، لأننا نشاهد الأعمال ثم نتأثر بها وربما لاحقا يصبح لها أثر في أفعالنا.
“ورد مسموم” تجربة جديدة لك مع مخرج شاب، محمود حميدة في دور تلفه لغة الصمت أكثر، كيف خضت هذه التجربة؟ وما هو تقيمك لها ؟
المخرج هو كاتب السيناريو واشتركت في الإنتاج، العمل استمر أربع سنوات، من لم يطلع على هذه العوالم التي تدور أحداث الفيلم في فلكها يصعب دخوله، والمخرج سبق أن اشتغل على الموضوع بطريقة توثيقية وهو فيلم عظيم حسب رأيي، تطوير السيناريو أخذ وقتا طويلا، كما أن تجسيد الشخصية مربك لأنك غير مستقر على أبعاد محددة، هناك أمور بقيت في صورة المخرج، لأنه أول مرة يقوم فيها بتوجيه درامي بحكم عمله الروائي الأول، وقد يخطئ في التوجيه الدرامي للممثلين كأن يقول مثلا هذا المشهد لا أريده بهذا الشكل، نريد إعادة تصوير المشهد، فيصعب على الممثل متابعة تفكير المخرج، في النهاية قام المخرج بتطوير السيناريو، وهذا أخذ أربع سنوات من العمل، وأرى أنه عمل مهم.
هل ندمت على أحد الأفلام التي لعبت فيها؟
لا أندم في حياتي مطلقا، هناك لحظات يجب أن نعيشها وفقط، وما فات فقد مات، هل تعطل نفسك مرة ثانية؟ يمكن أن تأخذ شهرا في الندامة كان الأحرى أن تمثل خلاله دورا آخرا.
ماذا منحتك السينما؟
أعطتني حياة أخرى، الشهرة كانت سبيلا إلى حب الناس، الناس تحبك من غير أن تعرفك عن قرب، ولا يوجد شيء اسمه ضريبة الشهرة.