من هم مرتزقة فاغنر ولماذا انسحبوا من ليبيا؟ أوراس

من هم مرتزقة فاغنر ولماذا انسحبوا من ليبيا؟

  • انسخ الرابط المختص

أدى الانسحاب المفاجئ لمرتزقة شركة فاغنر الروسية من المحاور المتقدمة جنوبي العاصمة الليبية إلى انهيار سريع لمليشيا الجنرال خليفة حفتر، في أكثر من محور بطرابلس، رغم محاولتها عرقلة تقدم الجيش الحكومي بتفخيخ المنازل والشوارع.

هذا دفع للتساؤل عن سر تخلي المرتزقة الروس عن القتال إلى جانب حفتر في طرابلس.. انسحاب أم مجرد مناورة؟

كان مفاجئا إعلان المتحدث باسم مليشيا حفتر، أحمد المسماري، إعادة تموضع عناصرهم بجنوب طرابلس، والانسحاب 2 إلى 3 كلم عن خطوط الاشتباك، بعد سقوط قاعدة الوطية الجوية في يد الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، في 18 ماي الجاري.

تحاول حكومة الوفاق المعترف بها دوليا بسط نفوذها على كامل ليبيا واستعادة المدن التي تسيطر عليها ميليشيات حفتر

ولم تكن مبررات المسماري، بشأن هذا “الانسحاب التكتيكي” مقنعة للكثيرين، إذ سرعان ما تبين أن الأمر متعلق بانسحاب أعداد كبيرة من مرتزقة فاغنر من الخطوط الأمامية والخلفية في جبهات القتال بطرابلس إلى مطار مدينة بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس).

وأمام رفض أعيان قبائل الورفلة ببني وليد، بقاء المرتزقة الأجانب ومليشيات حفتر في مدينتهم، تم نقل مرتزقة فاغنر ابتداء من 24 ماي، جوا إلى جهة غير معلومة.

ونظرا لأن أعدادهم تجاوزت 1500 عنصرا، وازدياد ضغط سكان بني وليد، انسحب عناصر حفتر هذه المرة برا في 26 ماي، في رتل ضخم ضم مئات الآليات والشاحنات، بالإضافة إلى 4 منظومات دفاع جوي “بانتسير”، نحو الجنوب.

مصادر محلية رجحت أن تكون وجهتهم قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا (650 كلم جنوب شرق طرابلس).

والملفت أن انسحاب المرتزقة من محاور القتال جنوبي طرابلس ومن بني وليد، تزامن مع نشر القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) صورا قالت إنها لمقاتلات أرسلتها روسيا مؤخرا إلى ليبيا لـ”دعم” مرتزقة شركة “فاغنر”.

تساؤلات

وهذا أيضا يطرح أكثر من تساؤل حول نوايا موسكو وفاغنر هل هو انسحاب نهائي من ليبيا؟ أم مجرد مناورة؟

روسيا لم تدخل ليبيا لتخرج منها بهذه السهولة، وإلا لماذا ترسل 14 طائرة مقاتلة من الجيل الرابع إلى ليبيا؟

وعلى حد قول الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين (1965- 1978)، عندما أخبر قائد أركانه العقيد الطاهر الزبيري، منتصف الستينيات، بأن موسكو طلبت منه إقامة قاعدة بحرية في بلاده، “السوفيات إذا دخلوا الجزائر لن يخرجوا منها أبدا”، لذلك كان رفضه قاطعا.

فإقامة قاعدة بحرية أو جوية روسية جنوب المتوسط يعد هدفا استراتيجيا قديما لموسكو، وليبيا بمثابة فرصة تاريخية للروس لمحاصرة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الجهة الجنوبية للمتوسط.

خسارة الجنرال حفتر لقاعدة الوطية شكّل منعرجا هاما في مسيرة الصراع في ليبيا

لذلك فانسحاب الروس من ليبيا حاليا، أمر فيه الكثير من المبالغة، لكن مغادرة مرتزقة فاغنر مواقعهم جنوبي طرابلس، قد يكون بقصد تركيع الجنرال المتعنت، وفرض شروطهم عليه، وإثبات أن مليشياته بدون مرتزقتهم لا يمكنها الصمود أمام الجيش الليبي في طرابلس.

وسبق أن اعتمدت موسكو هذا الأسلوب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 2016، عندما أعلنت سحب قواتها جزئيا من بلاده، في حين لم يكن ذلك سوى مناورة للضغط عليه.

كما أن موسكو رفضت تنصيب حفتر لنفسه حاكما على ليبيا، وأشار رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، نهاية أفريل الماضي، إلى أن الروس اتصلوا به ودعوه لطلب هدنة، لأن الوضع على “شفير الهاوية”.

وتحدثت وسائل إعلام عربية عن مشاكل تواجه شركة فاغنر في أخذ مستحقاتها المالية من حفتر، وعدم اقتناع الأخير بأدائها العسكري، خاصة وأنها فشلت في دخول قلب العاصمة، ناهيك عن الخسائر البشرية في صفوف المرتزقة وما يمثله ذلك من تكلفة مالية إضافية تُدفع لعائلات القتلى.

إلى ذلك، تم قطع خطوط إمداد المليشيات والمرتزقة، بعد استهداف الطائرات المسيرة التابعة للقوات الحكومية شاحنات الوقود والأسلحة والذخيرة، في محيط بني وليد، وكان لذلك أثر بالغ على فعالية عناصر فاغنر في القتال.

ويمكن ملاحظة تراجع فعالية فاغنر في ميادين القتال بطرابلس، من خلال مقارنة أدائهم في ديسمبر 2019، ويناير 2020، بعد أن تقدموا إلى مواقع حساسة جنوبي طرابلس، وخسروا عدة مواقع، قبل أن ينسحبوا بكامل عتادهم من محاور القتال في شهر ماي الجاري.

وقد يكون ذلك أحد أسباب الخلاف بين حفتر وفاغنر؛ تراجع الأداء العسكري وعدم الالتزام المالي، مما كرس انعدام الثقة بين الجانبين.

فحديث المسماري، عن إعادة التموضع جنوبي طرابلس، يعكس خللا في توزيع المليشيات بمحاور القتال، خاصة بعد أن سحبت فاغنر عناصرها المقدر عددهم ما بين 1500 إلى 2000، إلى جنوب البلاد.

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة بدأت تنزعج من تواجد مرتزقة فاغنر في ليبيا، إلى درجة اعتبارهم أخطر من تنظيم “داعش” الإرهابي، فليس من المستبعد أن تضغط على الإمارات لوقف تمويلها عمليات جلب المرتزقة الروس وأتباعهم، وهو ما أشار إليه المحلل السياسي الليبي المقيم في الولايات المتحدة محمد بويصير، في حوار سابق مع الأناضول.

وإذا فقدَ حفتر الموارد المالية لتمويل حربه، انعدمت القدرة على تجنيد المزيد من المرتزقة، خصوصا وأن عدة قبائل في الشرق الليبي أصبحت تتردد في إرسال أبنائها إلى جبهات القتال في المنطقة الغربية، خاصة وأنها خسرت الآلاف من أبنائها بين قتيل وجريح.

وازدياد هزائم حفتر في الغرب، أثر على هيبته في الشرق، كما أن قبائل برقة أصبحت أكثر التفافا حول عقيلة صالح، الذي يبدو أنه نجح في تسويق نفسه كبديل لحفتر، وحليف موثوق به للروس، تجلى ذلك في اتصال هاتفي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأربعاء، به، لبحث التسوية السياسية في البلاد.

وعقب اتصال لافروف، اجتمع عقيلة صالح، بصفته القائد الأعلى لما يسمى “الجيش الوطني” في المنطقة الشرقية، مع قيادات عسكرية على رأسهم قائد الأركان عبد الرزاق الناظوري، وقائد القوات الجوية صقر الجروشي، لأول مرة، وبدون حضور حفتر، مما يوحي أن هناك نية للإطاحة بالأخير برعاية روسية، وبدعم من مرتزقة فاغنر.

ولهذه الأسباب مجتمعة، يستبعد رحيل فاغنر من ليبيا، رغم الضغوط الأمريكية، بل قد تُستدعى لمهام أخرى، بينها تعزيز فرص عقيلة صالح، كبديل لحفتر.

أوراس/وكالات

شاركنا رأيك