یعكف المجلس الشعبي الوطني حدیث الانتخاب، إلى مناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة، في ظروف سیاسیة واجتماعیة صعبة للغایة.
فبینما یناقش النواب ھذا النص في أروقة مبنى زیغود یوسف، ترزخ القدرة الشرائیة للمواطن تحت وطأة غلاء الأسعار لمواد أساسیة، من دون أي سابق إنذار، تثقل كاھل المواطن البسیط، و تثیر تساؤلات عن أسباب ھذا الارتفاع المفاجئ والجنوني، من دون الحصول على إجابات.
تعد مناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة حدثا سیاسیا بامتیاز في الحیاة السیاسیة للدولة، فمن خلالها یطلع النائب والمواطن على تشخیص شامل للوضعیة السیاسیة، الاجتماعیة والاقتصادیة، بالإضافة إلى دراسة مدى نجاعة الأھداف المسطرة من طرف الھیئة التنفیذیة للمرحلة القادمة بالإضافة إلى تحدید الآلیات التي یتم العمل بھا لتحقیق ھذه الأھداف.
لقد ركز المخطط على تشخیص الوضعیة الاقتصادیة والأزمة المالیة من خلال عاملین خارجیین، ھما أسعار المحروقات والأزمة الصحیة، دون الخوض في الأسباب الأخرى، وھي كثیرة، وكذا الاختلالات التي تتمیز بھا السیاسات العمومیة الظرفیة والھیكلیة التي تعاني منھا المؤسسات والاقتصاد الوطني والاكتفاء بنقد سیاسات العھد المنصرم.
إن التركیز على عاملي أسعار المحروقات والأزمة الصحیة ینبئ بأزمة عمیقة یتخبط فیھا الاقتصاد الوطني منذ أزید من 30 سنة، أي منذ الصدمة البترولیة لسنة 1986، أین ظھرت عیوب الاقتصاد الوطني وانھارت أسطورة رفاھیة الدولة (providence État)، مثلما نوه إلى ذلك جیلالي لیابس في مقال حول الاقتصاد الریعي وعواقب على مفھوم السیادة الوطنیة والأمن القومي في مقال نشر في مجلة كراریس مركز البحوث في الاقتصاد التطبیقي من أجل التنمیة (CREAD du cahiers Les)، فكل الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحین، شددت في مستھل خطاباتھا ومخططاتھا وبرامجھا على ضرورة التخلي عن التبعیة للمحروقات، دون أن یترجم ذلك حقیقة على أرض الواقع، ولا أن نصل إلى اقتصاد متنوع.
یجب التنویه إلى أن الدولة سخرت میزانیات ضخمة لمحاولة إسھام القطاعات الإنتاجیة الأخرى في الاقتصاد الوطني، و ذلك من خلال رسم استراتیجیة صناعیة لتشجیع التصنیع مثلما كان عليه الحال في السبعینات من القرن الماضي و بدایة الثمانینات، أو تطویر قطاع السیاحة لما تزخر به الجزائر من مؤھلات سیاحیة وموارد طبیعیة ومناخیة، ولكن تبقى الموارد المالیة خارج قطاع المحروقات ضئیلة جدا مقارنة بالھدف المنشود.
یفتقر ھذا التشخیص إلى الموضوعیة، محاولة منه التركیز على العوامل الخارجیة، دون ذكر العوامل الداخلیة التي تتمثل في نجاعة السیاسات العمومیة الظرفیة والھیكلیة.
كان الأجدر بمحرري ھذا المخطط أن یتم إدراج تحلیل استراتیجي للسیاسات العمومیة من منطلق العمل التراكمي واستمراریة وتیرة الخدمة العمومیة وضمان فعالیتھا، بالوقوف عند مواطن الفشل ومواطن القوة في تطبیق ھذه السیاسات، وفھم المثبطات والمعوقات التي تحول دون تطبیق ھذه السیاسات، التي تصرف علیھا الدولة میزانیات طائلة من أموال الشعب.
كان الأجدر أیضا بالحكومة أن تجعل من الأزمة الصحیة فرصة لتقییم شامل للمنظومة الصحیة والسیاسة الصحیة التي انتھجتھا الحكومات السابقة والحالیة، وقد وُضِعت المنظومة الصحیة على المحك، جراء الموجات المتلاحقة للعدوى وتزاید الحالات الخطیرة التي أنھكتھا وأبانت عیوب منظومتنا الصحیة، التي صرفت علیھا أموالا طائلة وجھود مضنیة.
ولا ننكر أبدا أن الجائحة قد غیرت الكثیر من المقاییس في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولیة، وأثرت على كل مناحي الحیاة الإنسانیة، ولكن كل الذكاء والحیطة ھو التكیف مع ھذه الأزمة العابرة والعمل على التخفیف من تبعاتها.
مثال آخر، لا یقل أھمیة، ھو موضوع السیاسات المالیة وفي شقھا الخاص بالإصلاح المالي للبنوك، الذي یبقى دائما عائقا أمام جلب الاستثمارات الخارجیة والداخلیة. لكن اقترح ھذا المخطط نقدا واضحا للسیاسات العھد المنصرم، ومتجاھلا لتلك التي تبنتھا مؤسسات الجزائر الجدیدة، و ھذا طبعا لا ولن یخدم النقاش الموضوعي لأحوال الدولة ولا یصب في مسار بنائھا.
ولقد ركز المخطط عمل الحكومة على الاعتماد على توصیات فعالیات بحثیة للنھوض بالاقتصاد الوطني من خلال توصیات “الندوة الوطنیة للإنعاش الاقتصادي الذي یرمي إلى بناء نموذج اقتصادي جدید من أجل اقتصاد متنوع وقوي وشامل، على ضوء العبر الـمستخلصة من الأزمة الصحیة”، وكذا “الجلسات الوطنیة حول اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة” التي افضت حسب مخطط الحكومة في نتائجھا إلى توصیات ترمي إلى تشجیع البحث والتنمیة ووضع آلیات تمویل الابتكار وحمایة الملكیة الفكریة واللجوء إلى نقل التكنولوجیا وترقیة الاقتصاد الرقمي.
من خلال ما تم اقتراحه من آلیات وبرامج لتنفیذ مخطط عمل الحكومة، نلتمس نظرة أراھا تقلیدیة في التسییر المركزي للمخطط الذي لم یشر إلى أھمیة التسییر المحلي واللامركزیة، وھذا من شأنه أن یكرس البیروقراطیة الإداریة التي تكبل الراھن الاقتصادي ومؤسسات الدولة.
أمام المحاولات التي بادرت بھا دول الجوار لتغییر نمط التسییر لھیاكل الدول لا سیما في تونس والمملكة المغربیة، یبقى مسؤولینا غیر مؤمنین وغیر عابئین بالتسییر اللامركزي من حیث تحویل صلاحیات الدولة المركزیة للجماعات المحلیة والإقلیمیة (compétences de transfert).
أمام التقسیم الاجتماعي والدولي للعمل، والنمو الدیموغرافي، وتصاعد الاحتیاجات، كان لزاما على الدولة انتداب مجموعة من المھام للجماعات المحلیة لما لھا من أھمیة استراتیجیة في التكفل بمصالح السكان والفئات الاجتماعیة.
إن خبراء السیاسات العمومیة والجماعات المحلیة یؤكدون عن العلاقة الجدلیة بین التسییر اللامركزي والدیمقراطیة التشاركیة التي تتیح للمواطن المشاركة الفعالة في التنمیة المحلیة، ولكن النظام المركزي تجاھل ھذه الحقیقة التي تطرح نفسھا أكثر من أي وقت مضى، ولعل ھذا النمط التسییري المبدع قد یكون في جوانب كثیرة حل لرأب الصدع بین القواعد الشعبیة والنظام السیاسي، والتخفیف من وطأة انعدام الثقة بین المواطن والمسؤول، وخلق مناخ سیاسي تنافسي وتشاركي بمقدوره طرح الأفضل.
لقد تم تعدیل الدستور بصفته القانون الأساسي للدولة الجزائریة، وكذا قانوني البلدیة والولایة لعدة مرات، فكانت فرصا ضائعة للسلطة السیاسیة للتفكیر جدیا في التسییر اللامركزي، الذي قد یخفف كاھل الدولة في تسییر شؤون البلاد والعباد، فالدولة المركزیة لن تستطیع مواكبة التطورات والتحدیات الراھنة إلا بإطلاق عنان المبادرة للجماعات المحلیة والإقلیمیة بالإبداع في المجال التمثیل السیاسي وخلق ھیاكل إداریة ناجعة تستجیب للمقاییس المعمول بھا، وتتعاطى بواقعیة أكثر مع المعضلات التنمویة لكل منطقة.
فمعضلة التشغیل من حیث خلق مناصب الشغل على سبیل المثال لا یمكنھا إلا أن تكون من صلاحیات الجماعات المحلیة بدراسة عمیقة لأحواض الشغل (emploi’l de bassins) الموجودة والممكنة، انطلاقا من الإیمان العمیق بأن العمل ھو الذي یخلق الثروة.
يجب الوقوف عند الاسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار
….اليوم نعيش في مجتمع المخاطرة كما يقول :” أرليخ بيك ” عالم المخاطرة الذي يعني به عالم الفوضى عدم اليقين وتدهور المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فالباحث يتوقع عدة أشياء كيف يكون العالم مستقبلا ؟ مثال ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري يؤدي الى ارتفاع منسوب المياه واختفاء بعض المدن هولندا كنموذج … كثرة الامراض خاصة امراض العيون بسبب وسائل الاتصال الحديثة لأن معضم الأشخاص يقضون أوقاتهم في الهاتف ….هذين المثالين كنموذجين توقع لها العلماء كيف يكون العالم في 2050
أما الوضع الذي تعيشه الجزائر خاصة وفق نظرية مالتوس حيث شبه الكثافة السكانية بالمتتالية الهندسية والاقتصاد وفق متتالية حسابية الذي يعني بها الانفجار الديمغرافي يتزايد بسرعة عكس الاقتصاد وبتالي يحدث اختلال والدولة لا تستطيع ان تلبي رغابات الشعب وانهيار الدولة ينتج عنه عدة مشاكل منها:
– ضعف القدرة الشرائية
– البطالة
– الامراض النفسية
نظرية أنتوني جيدنز أو نظرية أورليخ بيك ، مانويل كاستلز تفسر مانعيشه اليوم
العالم اليوم في القرن الواحد والعشرون ويلزم عليه التخلص من الأفكار العقائدية التي لاتنجب أما من خلال ملاحظاتي هناك بعض المسؤولين لديهم فكر محدود ، لا يعرف مامعنى المخطط ، لا يعرف الحوكمة لا يعرف مناقشة ميزانية الدولة ، لا يعرف اقتصاد المعرفة الاقتصاد البديل عن النفط والمحروقات ، لا يعرف التحليل الاستراتيجي يجب على الدولة التطبيق لهذه الأفكار على أرض الواقع عن طريق رفع شعار ” المعرفة العلمية قبل كل شيئ ”
يمكن للجزائر ولأي بلد أن يتخلص من هذا الاشكال عن طريق :
– فتح المجال للباحثيين من اجل تشخيص هذه الحالة
– دعم البحث العلمي
– الاهتمام بالجانب المعرفي
– القضاء على البيروقراطية بمفهومها السلبي
في الأخير دائما نتوقع الى ما توصلت اليه الدول المتقدمة المرض والأزمة انطلقت من الصين لكن الصين اليوم قوة ولن تصيبه هذه الأزمة ولو امتدت لمئة 100 سنة . لماذا ياترى ؟