تم تداول بعض التحليلات تخص القدرات العسكرية للجيش الجزائري وردت في تقرير مهمة تقصي الحقائق من إعداد اللجنة الدائمة للدفاع القومي والقوات المسلحة في الجمعية الوطنية بفرنسا. الخبر نقله موقع متخصص في الشؤون العسكرية (opex360.com)، ثم تداوله موقع إخباري عمومي فرانس أنفو.
بتاريخ 16/02/2022 قامت اللجنة الدائمة للدفاع القومي والقوات المسلحة بالجمعية الوطنية بدراسة تقرير مهمة تقصي الحقائق حول “رهانات الدفاع في البحر الأبيض المتوسط” (Les enjeux de défense dans la Méditerranée) وتم المصادقة ليتم عرضه عند الحاجة في جلسة علنية في البرلمان دون التصويت عليه.
ووفق المقررين، الذين ينتمون إلى أطياف سياسية مختلفة، يعدون: “هذا التقرير هو ثمرة سبع عشرة جلسة استماع إلى مختصين، ورحلتين إلى مدينة طولون، وتحديدا إلى مركز العمليات البحرية (COM)، وإلى مقر بعثة الاتحاد الأوروبي إيريني (IRINI) في روما، وكذلك إلى نابولي، في قيادة القوة المشتركة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)”.
يتناول هذا التقرير المخاطر التي قد تقوض الأمن الإقليمي في عرض البحر الأبيض المتوسط، ومخافة أن يتحول الفضاء المتوسطي إلى مسرح صراع ومنطقة نفوذ متنازع عليها. تناول العديد من قضايا الساعة منها القضية الليبية، والأزمة السورية، وتزايد النفوذ البحري التركي والصراع المحتدم بين الجزائر والمغرب على خلفية النزاع حول الصحراء الغربية.
تحت عنوان “تنمية قدرات هائلة” ورد في التقرير التوجهات الجديدة التي انتهجتها الجزائر في مجال تحديث جيشها وترساناتها العسكرية: “فمنذ عام 2006، والجزائر تروج لسياسة التحديث الشامل لجيشها، كما يتضح ذلك من خلال الحصة الكبيرة من الناتج المحلي الإجمالي، التي تخصصها للجهود الدفاعية، تصل إلى 6.5٪، أو أكثر من 10 مليارات يورو.
ينبغي مقارنة هذه الأرقام بالوضع الذي كان سائداً في عام 2006، عندما خصص 2.5٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي الجزائري للدفاع. واليوم، تعد الجزائر خامس أكبر مستورد للأسلحة في العالم والأولى في إفريقيا، كما أوضح الكولونيل ستيفان ريشو (Stéphane Richou) الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية بالجزائر”.
التقرير أبدى تخوفا غير مسبوق حول الشراكة العسكرية الروسية الجزائرية خاصة في القطاع البحري: “في المجال البحري، يعد تطوير القدرات مهما بشكل أخص.
أعلن الأدميرال بيير فاندييه (Amiral Pierre Vandier)، رئيس هيئة أركان القوات البحرية، الذي استمعت إليه لجنة الدفاع في خريف عام 2022، أن “الجزائر على أهبة صناعة حاملتي هليكوبتر هجومية. ستمتلك قريباً عشر فرقاطات وخمسة عشر طراداً. بالإضافة إلى ذلك ، فقد اشترت للتو أربع غواصات إضافية من روسيا، قادرة على إطلاق صواريخ كروز البحرية”.
ولعل التلويح بمخرجات هذا التقرير في الإعلام يتزامن مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لأن روسيا تعد شريكا مهما في تحديث القدرات الدفاعية للجيش الجزائري، لا سيما في المجال الجوي والبحري، ويؤكد التقرير أنه :”خلال جلسة الاستماع من طرف المقررين، أكد الجنرال فيليب موراليس (Maurice Moralès)، قائد الدفاع الجوي والعمليات الجوية (CDAOA)، أن الجزائر يمكن أن تنشئ فقاعة حقيقية لمنع الوصول إلى مضيق جبل طارق وإلى جنوب إسبانيا (Bulle de déni d’accès)، في منطق لجعل منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط منطقة محمية ومنزوعة السلاح”.
احتوى التقرير على معلومات استخباراتية دقيقة حول القدرات العسكرية، وما تم اقتناؤه من معدات وأجهزة متطورة من شأنها تعزيز مكانة الجزائر كقوة عسكرية جامحة، مما جعل الجزائر تحرز تقدما ملحوظا في تحديث قدراتها الدفاعية والهجومية وأهمها:
– القدرات الهجومية البحرية، ولا سيما القوات البحرية المتمركزة بمرسى الكبير.
– قدرة لتسديد ضربات تحت الأعماق، تصل حتى أوروبا، بواسطة غواصاتها الست من طراز كيلو (Kilo) المجهزة بصواريخ أس أس-أن 30 من نوع كاليبر وطائراتها المقاتلة Su30MKA و Mig 25 PDA.
– قدرات إطلاق شبه باليستية، مع صواريخ إسكندر إس إس 26.
– قدرات منع الوصول ومنع التواجد في منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط ، من خلال نظام دفاع مضاد للطائرات يتكون من S-300s وقريبًا S-400s وأنظمة الرادار المتقدمة خاصة من نوع (Rezonans) للتشويش والحرب الإلكترونية.
قد يعد هذا تهويلا للقدرات العسكرية الجزائرية، القصد منه تخويف الرأي العام وتنبيه مراكز صنع القرار من حجم التعاون العسكري والإستراتيجي الروسي-الجزائري، خاصة في هذا الوقت بالذات أين برهنت الفيدرالية الروسية عن نواياها التوسعية وصراعها مع دول حلف شمال الأطلسي، وضرورة تحجيم النفوذ الروسي في منطقة الساحل، وفي الشرق الأوسط، ويتبين ذلك في ما ذهب إليه التقرير: “أخيرًا، تعد شراكة الجزائر مع روسيا أيضًا مدعاة للقلق، لا سيما في سياق توغل واستقرار مجموعة فاغنر في منطقة الساحل. تعد روسيا حتى الآن المورد الرئيسي للجزائر: فهي توفر 67٪ من احتياجات الجزائر من المعدات العسكرية، بالإضافة إلى ذلك، كثف البلدان تعاونهما العملياتي، مع أول تدريب مشترك للقوات البرية الروسية والجزائرية، والذي تم في أكتوبر 2021”.
بالنسبة لفقاعة حقيقية لمنع الوصول إلى مضيق جبل طارق وإلى جنوب إسبانيا (Bulle de déni d’accès)، فالأمر مبالغ فيه إلى حد السخافة، بحكم أن مضيق جبل طارق تحت السيادة البريطانية منذ 1713، وهو أكبر ممر ملاحي بعد بحر المانش، فقوى الناتو متحكمة في مخارج ومداخل البحر المتوسط، ناهيك عن البحرية الإسبانية والفرنسية اللتين تملكان أساطيل ضخمة متواجدة على الدوام.
حتى وإن كان التقرير قد قلل في خاتمة عرضه من خطورة القدرة الدفاعية والهجومية للجيش الجزائري فقد أشاد بالقرار الجزائري الأخير والذي بموجبه تم إعادة السماح للطائرات الحربية الفرنسية بالتحليق فوق المجال الجوي للجمهورية.
بقلم | د.فيصل إزدارن: باحث في علم الاجتماع السیاسي – باریس