تعتمد الدول الأوروبية بشكل متزايد على الجزائر كمصدر للطاقة المتجددة، خاصة مع تزايد صادرات الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية إلى أوروبا. هذا التوجه يعزز من مكانة الجزائر كداعم رئيسي لأمن الطاقة في أوروبا.
تشير تقارير إلى أن الجزائر تسعى إلى توليد 15 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، عبر استغلال الطاقة الشمسية والرياح، إضافة إلى الكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية.
الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الجزائر في مجال الطاقة الشمسية جعلت الدول تسعى إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية معها، وفقًا لمقال صادر عن منصة الطاقة.
وذكر المصدر ذاته، أن من بين هذه الدول الصين والعديد من الدول الأوروبية، التي تركز على استثمار هذه الإمكانيات لتعزيز أمن الطاقة.
في هذا السياق، استحوذت الشركات الصينية على 2 غيغاواط من مشاريع الطاقة الشمسية في الجزائر، مما يدعم التعاون بين البلدين لتحقيق الحياد الكربوني ودعم أمن الطاقة للقارة الأوروبية في الوقت نفسه.
إلى جانب ذلك، تظل صناعة النفط والغاز في الجزائر عاملاً أساسياً في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، خاصة مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وتستمر هذه الصناعة في لعب دور رئيسي، مدعومة بالتوسع المستمر في قطاع الطاقة المتجددة، الذي من المتوقع أن يعزز من قوة الجزائر الدبلوماسية في المستقبل.
ووفقًا للتقارير، فإن الاتحاد الأوروبي يولي اهتمامًا خاصًا بتحقيق الاستقرار السياسي في الجزائر، نظرًا لدورها المحوري في دعم أمن الطاقة لدول القارة العجوز.
الاستقرار السياسي الجزائري يعد أمرًا حاسمًا لضمان استمرار تدفقات الغاز والنفط نحو أوروبا، مع توقع زيادة دور الطاقة المتجددة في تعزيز هذه الشراكة.
بالإضافة إلى ذلك، أكد الرئيس عبد المجيد تبون خلال حملته الانتخابية أن العهدة الثانية له ستكون اقتصادية بامتياز، مع تركيز على تنويع الاقتصاد ومصادر الطاقة.
وبعد إعلان فوزه بالأغلبية الساحقة، أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ رسالة تهنئة، مشددًا فيها على أهمية التعاون بين الجزائر والصين في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار.
في قراءة لدبلوماسية الطاقوية، أفاد الخبير بوزيان مهماه في حديثه لمنصة “أوراس” بأن الجزائر أصبحت في موقع اقتدار حقيقي، مما يمكنها من ممارسة دبلوماسية طاقوية نشطة وفعالة.
وأضاف أن هذه الدبلوماسية تعزز الأمن الطاقوي الوطني والإقليمي والعالمي، وتخدم المصالح المشتركة، مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الإنساني وحق الشعوب في الرفاه والعيش الكريم، حيث يتجلى ذلك في تعامل الجزائر مع الحاجات الطاقوية للدول الشقيقة مثل ليبيا وتونس ولبنان، ومشاركة خبراتها مع دول مثل النيجر وموريتانيا.
وفي سياق الجهود المستمرة لتنويع الاقتصاد، أعلنت “سونلغاز” أمس السبت، البدء في تصدير معدات كهربائية إلى العراق، الشحنة تحتوي على “مولد للتوربينات الغازية من نوع “h53” و “0 h5” بقوة 300 ميغاواط إضافة إلى ملحقات”
الجزائر تصدر التوربينات المُنتجة للطاقة الكهربائية المُصنعة في باتنة إلى العراق pic.twitter.com/TJV20GphUa
— أوراس | Awras (@AwrasMedia) September 14, 2024
كما أمدت الجزائر تونس بـ 1000 ميغاواط من الكهرباء، بعد تعطل إحدى محطات الكهرباء التونسية.
وفقًا لبيان “سونلغاز”، فإن هذه الإمدادات تؤكد على التزام الجزائر بدعم جيرانها في أوقات الأزمات.
وفي إطار دبلوماسية الكهرباء، أفاد الخبير الطاقوي بأن الجزائر مستعدة لإمداد شركائها الأوروبيين بالطاقة الكهربائية، مع إمكانية تجاوز الإمدادات الـ50 تيرا واط ساعي في المرحلة الأولى، وقد تتجاوز الـ90 تيرا واط ساعي لاحقاً مع تشغيل محطات الطاقة الشمسية.
هذا التوجه حسب الخبير الطاقوي يأتي ضمن إدراك الجزائر لأهمية خفض التلوث في منظومة الكهرباء الأوروبية من خلال اللجوء إلى “الكهرباء الخضراء”.
وأبرز محدث “أوراس” أن الجزائر تسعى لبناء توافقات مع الشركاء الأوروبيين في إطار “دبلوماسية الكهرباء”، من خلال تطوير الربط البيني الوطني لشبكة الكهرباء بين الشمال والجنوب، باستثمار يقارب 3 مليارات دولار وتابع “هذا المشروع سيعزز إمدادات الكهرباء المحلية، ويفتح آفاقاً لتصدير الكهرباء النظيفة نحو أوروبا وإفريقيا”.
كما زودت الجزائر لبنان بكميات من الغاز الضروري لتشغيل محطات الكهرباء، بعد تعطلها نتيجة نقص الإمدادات.
وفي هذا الإطار، وصلت ناقلة النفط الجزائرية “عين أكر” إلى ميناء طرابلس اللبناني محملة بـ 30 ألف طن من الفيول، كمرحلة أولى لتشغيل مولدات الكهرباء.
وفيما يتعلق بصناعة النفط والغاز، ما زالت الجزائر تعتمد على هذا القطاع كركيزة أساسية للاقتصاد.
وتابع الخبير حديثه عن إيطاليا، قائلا “يمكن العودة إلى تاريخ يوم الإثنين 23 جانفي 2023، حيث عقد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيسة وزراء إيطاليا، جيورجيا ميلوني.
في هذا المؤتمر، أعلنت ميلوني أن الجزائر تعد المفتاح لتنفيذ “خطة ماتي” لتطوير التعاون بين إيطاليا وإفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، وأكدت طموح إيطاليا في أن تصبح “مركزاً للطاقة الأوروبية”.
وأضافت أن الجزائر قد تصبح الدولة الرائدة في إنتاج وإمدادات الطاقة، مشيرة إلى أن إيطاليا ستكون بوابة لتدفق هذه الطاقة نحو أوروبا
تصل مدة سطوع الشمس في الجزائر تصل إلى 2000 ساعة سنويًا، ويمكن أن تصل إلى 3.9 ألف ساعة على الهضاب العليا والصحراء، وفق أرقام صادرة عن منصة الطاقة.
ويظهر الاهتمام المتزايد للتعاون بين الجزائر ودول أخرى مثل كوريا الجنوبية، التي زار وفد جزائري مركزها الأخضر بهدف تعزيز التعاون التقني في مجال التكنولوجيا الخضراء.
وتمتلك الجزائر ثاني أكبر احتياطي للغاز في إفريقيا بعد نيجيريا، مع احتياطيات تبلغ 4.5 تريليون متر مكعب من الغاز و12.2 مليار برميل من النفط.
بحسب تقديرات “أويل آند غاز جورنال”، يُتوقع أن يستمر الاعتماد على تصدير الوقود الأحفوري لعقود قادمة.
من جهة أخرى، حافظت الجزائر على موقعها كأكبر مصدر للغاز إلى إسبانيا بنسبة 34.6% خلال شهر أوت 2024، وفقًا لتقارير حكومية، حيث بلغ حجم الصادرات 8.87 تيراواط/ساعة من الغاز الطبيعي و0.49 تيراواط/ساعة من الغاز المسال.
هذه الزيادة جاءت مقارنة بالعام السابق، إذ بلغت واردات إسبانيا من الغاز الجزائري 7.8 تيراواط/ساعة في أوت 2023، بينما استقرت شحنات الغاز المسال عند 0.49 تيراواط/ساعة
وفي السياق ذاته، الجزائر تأتي في المركز الثالث عالميًا من حيث احتياطات الغاز الصخري القابلة للاستخراج، والتي تُقدر بـ707 تريليونات قدم مكعبة.
كما تصدرت الجزائر قائمة الدول الإفريقية المنتجة للغاز الطبيعي في 2023 بحجم 104.27 مليار متر مكعب.
بخصوص دبلوماسية الغاز، أفاد مهماه بأن الجزائر ستعزز من قدراتها في السوق الدولية من خلال ممارسة دبلوماسية الأنابيب والغاز الطبيعي المسال.
وأضاف مهماه أن هذا الوضع يضع الجزائر أمام خيار تاريخي لتكون مستقبلاً المورد الأساسي للاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي. وفي إطار هذا التقدير، تهدف استراتيجية الاستثمار التي وضعتها الشركة الوطنية سوناطراك إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 200 مليار متر مكعب سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، مع الوصول إلى حجم صادرات سنوي يبلغ 100 مليار متر مكعب.
وعرج على تاريخ خطوط الأنابيب العابرة للبحر الأبيض المتوسط كمحركات للتقارب الدبلوماسي، مشيراً إلى أهمية “دبلوماسية أنابيب الغاز” في التعاون الاستراتيجي الجزائري-الإيطالي ضمن “خطة ماتي”.
وفي هذا الإطار، يتم إعادة بعث مشروع خط الغاز “غالسي”، الذي سيعزز صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي ويشمل تصدير الهيدروجين والأمونيا والكهرباء، بالإضافة إلى استكمال مشروع خط أنابيب الغاز (نيجيريا-النيجر-الجزائر) عبر الصحراء المعروف أيضاً بـ”نيغال”.
وفق محدثنا هذا المشروع الهام مدعوم سياسياً من قبل مبادرة أبطال البنية التحتية الرئاسية للنيباد (PICI) ضمن برنامج تطوير البنية التحتية في إفريقيا (PIDA).
الجدير بالذكر أن الجزائر تساهم حاليًا في توفير أكثر من 10% من استهلاك أوروبا من الغاز الطبيعي، وتعتبر شريكًا رئيسيًا في استقرار أسواق الطاقة الأوروبية.
وتحتاج الجزائر إلى تسريع وتيرة التوسع الاقتصادي في قطاعات التصنيع والخدمات ونشر الطاقة المتجددة.
ووفقًا لتقرير نشرته “فوربس” كتبه أستاذ الطاقة والبيئة في جامعة ديلاوير، سليم علي، هذه التحركات ستساهم في تعزيز مكانة الجزائر كقوة إقليمية ودولية في مجال الطاقة.
وهو ما دعمه الخبير الطاقوي مهماه في سياق حديثه عن “دبلوماسية الطاقات المتجددة”، مؤكدا أن الجزائر بدأت المرحلة الأولى من البرنامج الوطني للطاقات المتجددة في 2024، مع تنفيذ محطات للطاقة الشمسية بقدرة إجمالية 3000 ميغاواط. وهذا سيزيد قدرة الطاقات المتجددة من 600.9 ميغاواط في نهاية 2023 إلى 3800 ميغاواط بحلول نهاية 2025 وبداية2026.
وفيما يخص “دبلوماسية المعادن الأساسية والاستراتيجية”، أفاد بأن الجزائر أطلقت عدة مشاريع كبرى في القطاع المنجمي، مثل منجم غار جبيلات للحديد ومنجم الزنك بتالة حمزة، بالإضافة إلى تطوير مشروع الفوسفات. هذه المشاريع ستخلق نحو 100 ألف وظيفة.
وأخيراً، أشار إلى “دبلوماسية المناخ”، موضحاً أن الجزائر تستهدف تصفير انبعاثات الميثان بحلول 2030، مع اعتماد مقاربة بيئية للاحتجاز الطبيعي للكربون، مثل توسعة السد الأخضر وغرس 420 مليون شجرة. وأضاف أن الجزائر تلتزم بتقليل التأثيرات المناخية وتؤكد على أهمية التعاون الدولي في هذا المجال.