span>واقع التعاون الجزائري الفرنسي.. عراقيل موضوعية وأخرى مصطنعة فيصل إزدارن

واقع التعاون الجزائري الفرنسي.. عراقيل موضوعية وأخرى مصطنعة

خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، إلى الجزائر، في وقت الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في شهر ديسمبر 2012، تم التوقيع على ما اصطلح عليه آنذاك، بإعلان الجزائر حول الصداقة والتعاون بين الجزائر وفرنسا، حيث أكد الجانبان على أهمية العلاقات الثنائية، وضرورة تعزيزها وتمتينها، فعمد البلدان إلى إنشاء مجموعة من الآليات التنظيمية والقانونية لتوسيع الشراكة الجزائرية –الفرنسية، بغية تجاوز كل العقبات التاريخية والثقافية والتنموية.

ما ورد في نص التصريح، يؤكد على ضرورة تعزيز مجموعة من الأبعاد المتصلة بالعلاقات الثنائية، لا سيما البعد السياسي بتعزيز التشاور والحوار الإستراتيجي عبر التأسيس لآليتين تنظيميتين، وهما اللجنة المختلطة الاقتصادية الفرنسية-الجزائري (COMEFA)، واللجنة الحكومية عالية المستوى للتشاور والتعاون بين البلدين (CIHN).

البعد الإنساني الذي يؤكد على عزم البلدين في تسهيل حرية تنقل الأشخاص، علما أن الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا تتعدى نصف المليون، بالإضافة إلى مزدوجي الجنسية، وحسب الإحصائيات المتداولة فإن مليوني رعية جزائرية مسجلة لدى 18 قنصلية جزائرية موزعة على كامل التراب الفرنسي.

كل هذه المكونات للجالية الجزائرية يجب إتاحتها الفرصة للعب دورها لمد الجسور بين البلدين، بالإضافة إلى البعد الثقافي والتربوي، بعد أن سجل البلدان أهمية التنسيق وتبادل الخبرات في مجالي الثقافة والتربية، وكذا مجال التعاون الاقتصادي، الذي عرف تقهقرا كبيرا في الآونة الأخيرة.

1-اللجنة الحكومية عالية المستوى.. مواطن الفشل

تأسست اللجنة عالية المستوى (CIHN) بموجب إعلان الجزائر، وعقدت أول دورة رسمية لها في 16 ديسمبر 2013، بين الوزيري الأولين للبلدين، عبد المالك سلال عن الجانب الجزائري، وجون مارك إيرولت عن الجانب الفرنسي، وتناول الاجتماع عدة قضايا، وتم التوقيع على مذكرات اتفاق ومعاهدات قطاعية كثيرة، فيما اتفق الطرفان على عقد دورات اجتماع لذات اللجنة بصفة دورية ومستمرة، للخوض دائما في نفس الأبعاد، الحوار السياسي عالي المستوى، والبعد الإنساني، والتبادل الثقافي والتربوي والتعاون الاقتصادي، وتم تدشين مشاريع كثيرة على أرض الواقع.

استمرت الاجتماعات الدورية لهذه اللجنة طيلة عهدة الرئيس السابق فرانسوا هولاند، أي في الفترة الممتدة ما بين 2013-2017، حيث كانت آخر دورة لهذه اللجنة في نسختها الرابعة في 7 ديسمبر 2017، وقد أضيف البعد الأمني لعمل هذه اللجنة، ومنذ هذا التاريخ، تعذر تنظيم اجتماع دوري لذات اللجنة فيما بعد، نظرا لتذبذب العلاقات الثنائية، فبقيت رهينة الحسابات السياسية الداخلية والخارجية لكلا الطرفين، وكأن كل ما تحقق من تقدم في تقارب وجهات النظر والتطورات الميدانية المحققة في ظل عهدة هولاند، ذهبت أدراج الرياح، عندما تغيرت بنية النظام الفرنسي مع مجيء الرئيس إمانويل ماكرون.

فكان يكفي ليتفوه الرئيس ماكرون بكلمات اعتبرتها السلطة الجزائرية مهينة وقاسية لتعود العلاقات إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، والأعمق من ذلك، هو أن العلاقات الثنائية تبقى رهينة التباين الحاصل في المقاربة الإيديولوجية والميدانية لمختلف النخب السياسية في كلا الطرفين، فنجد في كلا الجانبين من السياسيين الذين يدعون إلى تعزيز العلاقات وتذليل المصاعب، وهم أقلية، وهناك دائما في كلا الطرفين من يعكر الأجواء ويضع العراقيل السياسية والثقافية والإنسانية، لكي لا يتم التوصل إلى أي اتفاق، متجاهلين كلهم في ذلك حجم الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تلعب أدوارا تدر بالقيمة المضافة لكلا البلدين.

كما لمحت في كتابات سابقة فقد أريد لهذه الهيئة أن تكون إطارا للتعاون المشترك يحقق ثلاثة أهداف رئيسية حسب الجانب الفرنسي وهي:

1-      تدريب مهني عالي الجودة، يركز على التنمية الصناعية، ولا سيما على القضايا الحالية لفرنسا والجزائر.

2-      الاهتمام بالبنى التحتية للابتكار التقني والتكنولوجي والاجتماعي (التوحيد القياسي، والمنهجية، والمسؤولية الاجتماعية للشركات، وما إلى ذلك)، بما في ذلك الأنشطة الصناعية الجديدة المحددة. يجب أن يصبح مجال البحث التطبيقي، على هذا النحو، قطاعًا نشطًا ويمكن أن يكون موضوعًا لشراكة علمية رفيعة المستوى تضمن علاقة اقتصادية دائمة.

3-      تستهدف الشراكات المثمرة بين الشركات الفرنسية والجزائرية التحديات الكبرى للصناعة الجزائرية (الصحة والطاقة والأغذية الزراعية والمدن المستدامة والرقمية على وجه الخصوص) ومصممة بطموح لبناء نموذج نمو جديد مستدام.

في غضون العشر سنوات من وجود هذه الهيئة الهامة، لم تستطع أن تنعقد إلا أربع مرات فقط، وآخرها كانت في ديسمبر 2017، وكان من المفروض أن تنعقد الدورة الخامسة في 2021، فتم إلغاؤها من الجانب الفرنسي، دون إعلان عن خلفيات ذلك رسميا، ولكن من المعلوم أن ذلك يعزى إلى الأزمة التي عرفتها العلاقات الثنائية بين البلدين.

ما يعاب على هذه الهيئة أنها لا ترقى إلى أهمية وتحديات العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية، لأن ما أثير من مشاريع وقضايا خلال الدورات الأربع الفائتة لم يتعدى دراسة مشاريع قصيرة المدى، وتقنية تفتقر إلى نظرة استراتيجية شاملة وواضحة المعالم.

يذكر أنه خلال الدورة السابعة للمشاورات السياسية على مستوى الأمناء العامون لوزارتي الخارجية للبلدين، التي انعقدت يومي 30 و 31 جانفي 2022، بمدينة الجزائر، اتفق الطرفان على التحضير للدورة الخامسة للجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى للتعاون، على أن يحدد الزمان والمكان لذلك، وكذا شتى المواضيع التي ستدرج ضمن جدول الأعمال، بعدما ألغيت في غضون العام الماضي على خلفية الأزمات المتلاحقة التي عرفتها العلاقات الثنائية.

2-اللجنة المختلطة الاقتصادية.. تخطي العراقيل

وخلال الفترة ذاتها تم إنشاء لجنة مختلطة اقتصادية فرنسية-جزائرية (COMEFA) ، برئاسة مشتركة من طرف وزيري المالية والاقتصاد من الجانبين، وتنعقد دوراتها بصفة دورية في باريس والجزائر مرة كل سنة، وقد تم التحضير للدورة السادسة لهذه اللجنة التي انعقدت في 29 أكتوبر 2018.

وحسب موقع السفارة الفرنسية في الجزائر، فإن “لجنة الكوميفا” (COMEFA) تهدف إلى جعل من الممكن تقييم الشراكة الاقتصادية وتحديد آفاق جديدة لتعزيزها، وسوف يكون تجسيد إعلان النوايا بشأن إنشاء صندوق استثمار ثنائي، الذي يعد إحدى الإنجازات الملموسة.

حسب المصدر ذاته، يبلغ حجم التبادل التجاري نحو ثمانية مليارات يورو كل عام، مع أكثر من 7000 شركة فرنسية تعمل مع الجزائر.

هناك أيضًا ما يقرب من 500 شركة تم تأسيسها في الجزائر، ويعمل بها 40 ألف شخص وتوفر 100.000 فرصة عمل غير مباشرة في مجالات متعددة للبلدين، سواء كان ذلك في قطاع تركيب السيارات والنقل والصحة والزراعة.

تجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تقلص بشكل معتبر، وبلغ سنة 2020 حوالي 7.5 مليار دولار، بعدما كان يفوق 11 مليار دولار لعام 2015، وقد لوحظ هذا التقلص منذ 2019، قد نعزو ذلك لفترة الركود الاقتصادي بسبب جائحة كورونا، ولكن في رأينا هناك أسبابا ظرفية أخرى دخلت في الحسبان.

مما لاحظناه هو أن حجم التبادل غير متوازن بتاتا، بحكم أن بنية الواردات والصادرات لم تختلف منذ سنوات، بحيث أن الحصة الأكبر من واردات الجزائر تبقى من الحبوب والمركبات الصناعية والصادرات من النفط ومشتقاته.

بالإضافة إلى ذلك، التحولات الإقليمية التي شهدت ظهور شراكات جديدة ارتأت السلطات الجزائرية استكشافها، فنجد أن التبادل التجاري بين الجزائر والصين قد بلغ 76 مليار في غضون 10 سنوات، وبذلك أصبحت أول مورد للجزائر، بالإضافة إلى وجود منافسة من الجانب التركي الذي يعتبر الجزائر سابع وجهة للاستثمارات التركية، مما خلق حسب إحصائيات وزارة الخارجية التركية 30 ألف منصب شغل في الجزائر.

ثمة معضلات تحول دون استقرار إيجابي في العلاقات الجزائرية-الفرنسية بما يخدم مصالح البلدين، هناك الإرث التاريخي الذي يلقي بظلاله ودائما على كل مساعي الجانبين، فالمقاومة التي تبديها النخب الفرنسية في عدم الاعتراف بهمجية الاستعمار، وتعنتها في تذليل العقبات يحول دون الخوض الجدي في قضايا التنمية والتعاون الثنائي، فالتيارات اليمينية استثمرت في موجة العنصرية والعداء للأجانب لتعقد الأمور أكثر. وتوجد نخب في الجزائر تضع الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي كشرط أساسي للتقارب الجزائري-الفرنسي، وهنا مكمن الخطأ الذي مفاده أن أصحاب السياسة يخوضون في القضايا التاريخية بما يخدم مصالحهم الضيقة، ويهمش عمل المؤرخين من كلا الطرفين.

فيصل إزدارن

دكتور باحث في علم الاجتماع السياسي - باريس

شاركنا رأيك

  • فريفط زكريا

    الأربعاء, أغسطس 2022 20:58

    فرنسا خراب الإقتصاد… مازلتم تتكلمون عنها