span>العلاقات الصينية-الجزائرية.. مبادئ تعاون ثابتة ومصالح متشعبة فيصل إزدارن

العلاقات الصينية-الجزائرية.. مبادئ تعاون ثابتة ومصالح متشعبة

تستمر زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى جمهورية الصين الشعبية، على مدار خمسة أيام، زيارة ذات أهمية بالغة بإجماع الخبراء، ناهيك عن الظرف العصيب والمفصلي الذي جاءت فيه هذه الزيارة.

تعد هذه الزيارة الأولى من نوعها للرئيس عبد المجيد تبون، ولعل أهميتها تكمن في وجود حالة استقطاب دولي تتمثل في الحرب الدائرة في أوربا، ونزاعات جانبية تحاول القوى العظمى تمديد هيمنتها على دول الأطراف.

علاقات متينة ورؤى ثابتة

تعتبر جمهورية الصين الشعبية شريكا تاريخيا واستراتيجيا للجزائر، والتاريخ قد وثق للحظة التاريخية التي خطت بأحرف من ذهب، عندما أعلنت الصين اعترافها بالجمهورية الجزائرية المؤقتة، كأول دولة خارج الحزام العربي، سنة 1958، “في عامي 1962 و 1964، قام رئيس الحكومة الصينية شوانلاي بزيارة رسمية للجزائر، بينما قام الرئيس أحمد بن بلة بزيارة بكين في عام 1965.

بين عامي 1963 و1975 وقعت الصين عشرين اتفاقية، بما في ذلك اتفاقية صداقة، تغطي العديد من المجالات، مثل التعاون الاقتصادي والتقني والصحي والثقافي والتعاون والاتصال والبحث العلمي، وكذا التعاون العسكري والتعاون البحري إلخ.

ولا يمكن أن ننسى المشاركة التاريخية للوفد الجزائري خلال مؤتمر باندونغ في إندونيسيا لدول عدم الانحياز سنة 1955، وذلك بمساندة الصين.

وللجزائر موقعا مميزا في المشروع الصيني “مبادرة الحزام والطريق” (Belt & Road Initiative)، لما تملكه الجزائر من موقع استراتيجي مميز وإمكانات بشرية وطبيعية هائلة. فالصين قد متنت من علاقاتها الاقتصادية مع دول شمال إفريقيا عبر المنتدى التعاون الصيني الإفريقي ومنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، وللجزائر المكانة الكبرى في مخطط التعاون الذي دأبت الصين على تجسيده على أرض الواقع بخطى ثابتة.

خلال الكلمة التي ألقاها الرئيس عبد المجيد تبون، أثناء استقباله من طرف فلاديمير بوتين في موسكو في شهر جوان المنصرم، تحدث عن الظرف العصيب الذي تمر به السياسة الدولية وحالة الاستقطاب التي تكتنفها، انتقد الضغوط التي تتعرض لها الدول جراء الحرب التي تدور رحاها في قلب أوربا، و الهدف منها هو جر البلدان التي لا علاقة لها بهذا النزاع إلى أخذ موقف لصالح طرف معين.

من هنا نستطيع أن نفهم أن الجزائر تحاول جاهدة الوقاية من ضغوطات التكتلات الإقليمية والقوى المهيمنة بتنويع شراكاتها الاستراتيجية وإخراج الديبلوماسية الجزائرية من التبعية لطرف واحد، وفي ذلك لدى الجزائر العديد من الحلول الواقعية والميدانية للحفاظ على مكانتها واستقلالية موقفها.

علما أن هذه المهمة صعبة للغاية ومكلفة سياسيا، ولكن بسبب تداخل العوامل الأخرى تستطيع الجزائر توظيف مؤهلاتها الجيوسياسية والاقتصادية لإحداث نوع من التوازن في تعاملها مع كل الأطراف، وعلينا أن نذكر أنفسنا أنه وأمام التردد الفرنسي الذي خيب آمال الجزائريين على مر عقود، وتماطل أمريكي في إرساء قواعد حقيقية لتعاون رابح-رابح، تواجه كل ذلك جرأة صينية كبيرة وإعادة التموقع الروسي في المنطقة الإفريقية.

العلاقات الثنائية في ضوء المناخ الدولي

منذ القرن السابع عشر، اتفقت المجموعة الدولية آنذاك على بناء نظام دولي تبلور من خلال اتفاقات وستفاليا (Westfalia Order)، لوضع حد للفوضى والحروب اللامنتهية ودحر عقلية الغاب، ولكن تم خرق هذا النظام الوستفالي أكثر من مرة في القرن العشرين وحتى أيامنا هذه، مما يكرس عقلية الهيمنة الأحادية للقوى العظمى، وإخضاع دول الجنوب لسياساتها التوسعية.

أفرز هذا الواقع قوى أخرى ترفض الهيمنة الخارجية عليها، ولعل تشكل مجموعة البريكس يدخل في هذا الإطار، أين تتهاوى فكرة القطب الواحد، واستبدالها بنظام عالمي جديد قائم على مبدأ تعدد الأقطاب، ولعل هذا ما تصبوا إليه الديبلوماسية الجزائرية منذ أمد بعيد، فقد كانت منظمة عدم الانحياز، قد أنشئت لهذا الغرض، خاصة عندما تم الكشف عن مبادئها خلال مؤتمر باندونغ الذي تم عقده في أندونيسيا، سنة 1955، وبمشاركة الوفد الجزائري آنذاك.

ومع التغير المتسارع والكبير الذي عرفته العلاقات الدولية، شهدت الدول التي دعت لذلك، تغيرات بنيوية في منظوماتها السياسية والاقتصادية، مما جعلتها تعيد النظر في أولوياتها القومية والخارجية، وجاءت هذه المناسبة للتأكيد على هذا المبدأ الذي يطرح بنفسه بقوة أكثر من أي وقت مضى أمام تصاعد النزاعات الدولية في الشرق الأوسط وأوربا و منطقة الباسيفيكي، وما تكتنفه من حالة استقطاب حاد وضغوط دولية تمارس على دول الجنوب، قد تحدث عنها الرئيس عبد المجيد تبون خلال الكلمة التي ألقاها أمام رئيس الفيدرالية الروسية فلاديمير بوتين، وهناك جنوح نحو إعادة النظر في النظام الدولي لإرساء نظام أكثر عدلا وأمنا يعتمد على تعدد الأقطاب.

الصين وإفريقيا

إن التواجد الصيني في القارة السمراء يعود إلى عشرين سنة، وهو وجود اقتصادي في غالب الأحيان، فقد أنشأت الصين 25 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في 16 دولة إفريقية، وواصلت الاستثمار بكثافة في جميع أنحاء القارة خلال وباء كوفيد -19، وفقًا لتقرير حكومي حول العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا.

وقد اجتذبت هذه المناطق المسجلة لدى وزارة التجارة الصينية حوالي 623 شركة، تمثل استثمارات إجمالية قدرها 735 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2020، وفقًا للتقرير السنوي حول العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا، لسنة 2020، وحسب تقرير للمبادرة البحثية لشؤون الصين و إفريقيا، لجامعة جون هوبكنز (China Africa Research Initiative – John Hopkins University)، استطاعت الشركات الصينية افتكاك 17 بالمائة من السوق الجزائرية.

أمام التردد الفرنسي والتماطل الأمريكي نلحظ الجرأة الصينية في خوض غمار الاستثمار وحصد المشاريع.

فالصين ومند 2014، حاضرة في أغلب المشاريع الكبرى، مثل الطريق السيار، مطار الجزائر الدولي، ومشاريع قيد الإنجاز كميناء الحمدانية في شرشال، الذي سينافس كبرى موانئ الحوض المتوسط بعد الانتهاء من الأشغال، لا سيما ميناء فالنسيا ومرسيليا وطنجة، بالإضافة إلى الإسهام في إنجار طريق الصحراء الكبرى ليعبد الطريق نحو كل من منطقة الساحل وإفريقيا الغربية وصولا إلى خليج البنين.

سر نجاح النموذج الصيني

الكثير منا يطرح تساؤلات حول سر نجاح النموذج الصين، رغم ما له من عيوب خاصة فيما يتعلق بموضوع الحريات، أين نرى وجود تباين في الفلسفة الديموقراطية المعتمدة من قبل السلطات الصينية والتي تختلف تماما عن تلك المعتمدة في الغرب. ولكن لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، علينا ان نستقرأ الفلسفة السياسية المتبعة منذ حدوث المنعرج الحضاري للصين الحديثة ما بين الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

الكثير منا لا يعرف شخصية وانغ هونينغ  (Wang Huning)الذي يجسد فعلا عالم الأفكار في الصين، وهو عضو بارز في اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني، والعقل المفكر للإمبراطور شي جين بينغ (Xi Jinping) رئيس جمهورية الصين الشعبية، بصفته أحد المفكرين “الاستبداديين الجدد” الرواد في أواخر الثمانينيات، حسب الباحث الأمريكي ماثيو جونسون، من معهد هوفر (Hoover Institution)، في مستهل مقال افتتاحي لتقديم أهم مقال نشره هونينغ في مجلة العلوم الاجتماعية لجامعة فودان، سنة 1988.

أنشأ وانج نسخة خاصة بالصين من نظرية التحديث مستوحاة من عالم السياسة الأمريكي صمويل هانتينغتون، ولقد كان مهندس إعادة هيكلة الحزب الشيوعي، وتقوم نظريته الإصلاحية على أن الثقافة السياسية أهم وأولى من المؤسسات السياسية، ولكي تضمن الصين النهوض والسيادة على العالم، يجب أن تقوم بإصلاح الثقافة السياسية التي هي عبارة عن نفسيات، ودوافع، وسلوكيات وطموحات الشعب الصيني، ولعله عرف بكتابه بعنوان “أمريكا ضد أمريكا (America against America)، أين ينتقد الحضارة الأمريكية ويتحدث عن انبهاره ببعض أوجه الازدهار الأمريكي.

يقول هونينغ: “دفع مسار الاندماج العالمي، بالعلوم السياسية المعاصرة إلى إدراك الأهمية السياسية للاختلافات الثقافية بين المجتمعات والشعوب”.

فالمجتمع يؤثر على الحياة السياسية من خلال آليات ثقافية معينة والذاتية العامة التي تشكلها هذه الأشكال الثقافية، بحيث يكون تحقيق الحياة السياسية هو في الواقع كشف للحياة الاجتماعية والأخلاقية.

بعيدا عن الدفاع عن التنموي الصيني الذي له ما له من فصائل، وعليه ما عليه من سلبيات وعيوب، لكن يجدر بنا نقول إن نموذج تنموي ينبع من عمق المجتمع وثقافته وسيكولوجيته، الأمر الذي يشكل حصنا منيعا ضد أي محاولة زعزعة داخلية أو هيمنة خارجية.

فيصل إزدارن

دكتور باحث في علم الاجتماع السياسي - باريس

شاركنا رأيك

  • مواطن فمستشفى المجانين

    السبت, أغسطس 2023 23:22

    الاستثمار في الجزائر مربح جدا… المناخ الاقتصادي مناسب كثيرا لبدء المشاريع .. القوانين جد ميسرة و سهلة.. الضرائب شبه منعدمة.. و البلد يملك ايادي عاملة كفوءة و جد نشيطة.. شخصيات كثيرة لديها التجربة في الجزائر: نجيب ساويرس، اسعد ربراب، وغيرهم…