span>مطالب بإعادة النظر في الاتفاقية الجزائرية-الفرنسية.. هل هي مناورات لتعكير الأجواء بين البلدين؟ فيصل إزدارن

مطالب بإعادة النظر في الاتفاقية الجزائرية-الفرنسية.. هل هي مناورات لتعكير الأجواء بين البلدين؟

في يوم الجمعة 26/05/2023، صدر مقال على شكل حوار مع السفير الفرنسي الأسبق كزافييه دريونكور، على أعمدة جريدة الفيغارو، تحت عنوان “يجب على فرنسا التنديد أحادي الجانب بالاتفاقية الفرنسية الجزائرية لسنة 1968″، وقد اعتاد دريونكور بنشر مقالاته وآرائه في الجريدة ذاتها، وكان آخر مقال له صدر في جانفي 2023، يحمل عنوان “الجزائر تنهار فهل ستجر فرنسا معها إلى الأسفل؟”

كزافييه دريونكونر، رجل ديبلوماسي فرنسي شغل منصب سفير في الجزائر مرتين، من 2008 إلى 2012، حين انتخب نيكولا ساركوزي رئيسا للجمهورية الفرنسية، وكان ذلك متطابقا من حيث النهج السياسي و التوجه الإيديولوجي الذي يجمع بين الرجلين، ونقصد بذلك توجه اليمين المتشدد داخل الأسرة السياسية اليمينية.

ثم اعتمد سفيرا للمرة الثانية ما بين 2017 و2020، خلال العهدة الرئاسية الأولى لإيمانويل ماكرون، ولكنها كانت قصيرة، على خلفية تعكر الأجواء في العلاقات الجزائرية الفرنسية حينذاك، بحكم أن التعيين يخضع لمقتضيات المرحلة وصراع الأدوار في الإدارة السياسية في شقها الديبلوماسي.

خلفيات الورقة البحثية

يعتبر هذا الحوار الذي أدلى به السفير الأسبق دريونكور لجريدة لوفيغارو، مناسبة لطرحه لورقة بحثية ضمن تقرير بحثي أنجزته المؤسسة الفكرية من أجل الإبداع السياسي (Fondapol)، حول “سياسة الهجرة: ماذا يمكن أن نفعل باتفاق الفرنسي-الجزائري لسنة 1968؟”.

لمن لا يعرف المؤسسة الفكرية “فوندابول”، فهي مجموعة تفكير واستشراف تم تأسيسها سنة 2004، في فلك التيار اليميني المتشدد، والأكثر ليبرالية من حيث التوجه الإيديولوجي. فالرئيس الحالي لهذه المؤسسة الفكرية هو دومينيك رينييه، أستاذ علوم سياسية ومناصل سياسي في حزب الجمهوريين (LR).

تناول السفير الأسبق كزافييه دريونكور مضمون اتفاقية الجزائرية -الفرنسية لسنة 1968، في ورقته البحثية، منتقدا السياق الاستثنائي الذي تتمتع به الرعية الجزائرية، من خلال امتيازات الحصول على تأشيرة والإقامة وتسهيل إجراءات لم الشمل العائلي وفرص تغيير الصفة الإدارية، والتسهيلات التي ينص عليها القانون فيما يخص التجارة والمهن، ويطالب فرنسا بالتنديد الأحادي الجانب بهذه الاتفاقية بهدف إعادة النظر في كل بنودها بشكل كامل، حتى وإن اقتضى الأمر العودة بالعلاقات الثنائية إلى نقطة الصفر، وبذلك إلغاء كل المعاهدات الثنائية بين البلدين. و يطرد في القول أن ثمة تناقض قانوني يكمن في كون هذه الاتفاقية أهم من القوانين الوطنية، وهو ما يدينه الديبلوماسي.

تقويض لشراكة الاستثناء بين الجزائر و فرنسا

عند قراءتي لهذه الورقة البحثية التي تعج بالأخطاء القانونية، وحتى وجود سوء نية في التقدير، سؤال يراودني منذ ذلك الحين، وهو كيف لرجل ديبلوماسي محنك مثل دريونكور شغل منصب سفير في الجزائر لعهدتين، يريد عبثا نفي علاقات ثنائية متجذرة بين البلدين وتفكيكها؟

الحقائق التي يريد الديبلوماسي نفيها، هي أن هذه الاتفاقية من وجهة نظر قانونية هي نص تشريعي تم التفاوض عليه من طرف البلدين، وقد تم التصويت عليه من طرف الهيئات التشريعية لكلا البلدين، وتمت المصادقة عليه من طرف حكومتي البلدين، وهذا الجانب الإجرائي المهم لم يتحدث عنه في ورقته البحثة.

بالنسبة للسياق الاستثنائي الذي تتضمنه الاتفاقية فهو شأن فرنسي-جزائري و يحترم سيادة كل بلد، رغم وجود ثغرات في تطبيق بعض بنود هذه الاتفاقية، خاصة ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بلم الشمل العائلي، التي هي واضحة كل الوضوح في نص الاتفاقية، ولكن إعادة النظر أحادية الجانب لهذه الاتفاقية قد تعصف بالعلاقات الثنائية، وهذا ما يصبوا إليه أعداء التقارب الجزائري-الفرنسي في فرنسا، وهو تعكير الأجواء بصفة دائمة.

اليمين المتشدد يرمي بثقله

يجب التذكير أن الديبلوماسي الأسبق قد صدرت له فيما مضى مواقف متشددة حيال الجزائر، ففي الكتاب الذي ألفه في شهر مارس 2022، تحت عنوان “اللغز الجزائري – وقائع سفارة في الجزائر العاصمة: 2008-2012؛ 2017-2020” ويتعرض فيه الرجل الديبلوماسي إلى اضمحلال مكانة فرنسا في الجزائر في ميادين عدة، لا سيما الجانب الثقافي، ووتيرة الاستثمار، وبالمقابل دخول قوى أخرى على الخط للاستثمار في الغياب الفرنسي، مثل الصين وتركيا وروسيا التي عادت إلى الواجهة بقوة، تزامنا مع ظهور بوادر جديدة لسياسة خارجية جزائرية تتجه نحو تعدد الأقطاب والشركاء.

في هذا الكتاب أيضا، يتساءل دريونكور عن العلاقة الغامضة التي تربط المسؤولين السياسيين الفرنسيين بهذا البلد الذي يبدو، بعد أكثر من نصف قرن على استقلاله، أنه جزء من السياسة الداخلية الفرنسية.

ومنذ تقاعده لم يتردد في استغلال أية فرصة للدفاع عن المصالح الفرنسية في علاقاتها مع الجزائر، وكأن الرجل ما زال يفكر بعقلية كولونيالية أبوية واستعلائية عند خوضه في الموضوع، ولعل رأيه يمثل رأي جماعات ضغط متنفذة في دواليب الإدارة الفرنسية، لا تريد للعلاقات الثنائية إلا أن تكون مصبوغة بتبعية دائمة لفرنسا غير آبهين بمفهوم السيادة الوطنية ولا الاستقلال.

فيصل إزدارن

دكتور باحث في علم الاجتماع السياسي - باريس

شاركنا رأيك