span>“مناظر الخريف” لمرزاق علواش.. هل ضاعت بوصلة المخرج؟ فيصل شيباني

“مناظر الخريف” لمرزاق علواش.. هل ضاعت بوصلة المخرج؟

العُرف السينمائي يقول إنه لا يوجد سن يُحدد نهاية المخرج عن إنجاز الأفلام ولكن أي أفلام؟ سؤال مهم خاصة عندما يتعلق بمخرج له باعه الطويل في الفن السابع ألا وهو مرزاق علواش، فصاحب “عمر قاتلاتو” لا يكل من الكتابة والوقوف وراء الكاميرا، وأصبح في السنوات الأخيرة مصراً على التواجد أقل شيء بفيلم خلال سنتين، الأمر الذي أثر على النوعية الفنية لأعماله، فدخل للأسف ضمن نطاق التسرع، شيء لا يخدم صورته وهو المصنف في خانة الكبار.

يعود مرزاق علواش بفيلم روائي طويل بعنوان “مناظر الخريف” المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الجزائر الدولي أيام الفيلم الملتزم، الذي يدير فيه البوصلة نحو الواقع من جديد بكل تناقضاته، ونحو سيطرة المسؤول الذي تصل ممارساته لحد الإجرام، من هنا ينطلق صاحب “التائب” بعد تجارب سينمائية مختلفة، دارت في فلك مواضيع الإرهاب آخرها “ريح رباني”، الفيلم المبني على التطرف كسابقه “تحقيق في الجنة”.

لا يسبح علواش بعيداً عن فلك عمله “مادام كوراج” فالبيئة تقريبا نفسها والموضوع لا يختلف كثيرا، فالإجرام والمافيا لعبة أساسية يستثمر فيها موضوع فيلمه “مناظر الخريف” مع بعض التغيير، فالمنطق هنا يشبه لحد كبير قاعدة عمله الوثائقي “تحقيق في الجنة”، أين تنطلق صحفية وتحاول مقاربة موضوع التطرف وحلم الشباب في الظفر بحور العين في الجنة ونظرتهم للدين، فالقاسم المشترك واحد وهو الصحفية، وهي نفس الممثلة “سليمة عبادة”، لكن الموضوع يختلف، فالأمر هنا يتعلق بتحقيق حول ممارسات رجل مسؤول قام بتأسيس شبكة مافيا ودعارة تتاجر بأجساد فتيات مراهقات، يتم استدراجهن من الثانويات لينتهي بهن المطاف في الأخير مقتولات ومرميات على شاطئ البحر.

يثير الموضوع فضول الصحفية “حورية” والتي ستحاول بعدها فك لغز هذه الجرائم برفقة مصورة صحفية شابة اسمها “لطيفة” تسعى لإثبات نفسها في مهنة الصحافة المليئة بالتناقضات والتجاوزات، أولها من طرف المسؤول المباشر “مدير التحرير” الذي صوره المخرج في ثوب الانتهازي المتحرش بالصحفيات وغير المدرك لقيمة الكرسي الذي يجلس عليه.

وفي الجهة الأخرى نجد ضابط الشرطة مصطفى ويؤدي دوره “خالد بن عيسى” وهو صديق الصحفية “حورية” يحاول منعها من الولوج في قضايا المافيا، حفاظا على حياتها ليتضح في الأخير أنه أحد عناصر الشبكة الإجرامية، التي سيفك خيوطها لاحقا محافظ الشرطة ومثل الدور بإقناع شديد “حليم رحموني” المعروف كسينوغراف في الوسط المسرحي.

مرزاق علواش
مرزاق علواش مخرج فيلم “مناظر الخريف”

يركز علواش عدسته على واقع الشباب ومعيشتهم، وكيف أصبحوا يسيرون في فلك الممنوع والمجهول، يلقي باللوم على المؤسسة الرسمية ويتهمها بشكل غير مباشر بضلوعها فيما وصل إليه شباب اليوم، أين يشغلهم بعض رجال الشرطة كمخبرين، ويتكئ عليهم الصحفيون كذلك للحصول على معلومات.

ولكن حبذا لو طرح المخرج الموضوع بعمق ولم يمر عليه بشكل سطحي لم يخدم الفيلم جيدا، فالعلاقة بين شخوص الفيلم لم تكن ذات جرعة عالية من الشفافية والجرأة، على الأقل مقارنة بسينما علواش الأخيرة، وحتى مثل هكذا مواضيع المفروض أن تعتمد على “السوسبانس”، فالغوص في المجهول يتطلب ذلك، ولكن المخرج صور عمليات المطاردة بشكل عادي، وحتى مشهد اكتشاف مسؤول الشبكة وهو شخصية رسمية نافذة، لم يستثمر فيه ومر مرور الكرام وكأنه حادث عابر، ناهيك عن أحداث أخرى كثيرة في الفيلم بقيت دون مبررات درامية تدفع للاستغراب، ضف إلى ذلك أن بعض شخصيات الفيلم كان يمكن الاستغناء عنها مثل المصورة “لطيفة” التي بالإضافة لحضورها الباهت رغم مساحة الدور الكبير الذي منح لها لا نجد شخصيتها محورية في سير الأحداث وكان يمكن الاستغناء عنها.

 يتعاطى الفيلم حياة الشباب والمراهقين ومستقبلهم المجهول، فليس غريبا على علواش تصويب كاميرته على هكذا مواضيع، ويربط دائما مصير الشباب بسلاسل الموت، ويبشر بحياة تذرف الكثير من العاطفة اتجاه الشباب والمراهقين، فدورهم مهم في الحياة السينمائية للمخرج الذي لا يهاب المغامرة في أعماله باكتشاف وجوه جديدة وإعطائهم أدوارا كبيرة في منجزاته السينمائية.

حاول علواش من خلال هذه القصة أن يمسك بخيوط الحكاية والاتكاء على أداء مقنع للممثلة، ولكن وجب الوقوف عند بعض المحطات التي شابت العمل، أهمها ضعف وسطحية السيناريو الذي غلب عليه الحوار، فيحس المشاهد أن العمل كله مبني على الحوار المكثف في لحظات عديدة، مع غياب تحولات تشد المشاهد، وفي أحيان كثيرة تحس وكأن خيوط الحكاية غير متماسكة، حيث تنتقل الكاميرا من مشهد لآخر دون الربط والتسلسل في السرد والأمثلة كثيرة عن ذلك، ناهيك عن الإيقاع المضطرب وغياب المبررات الدرامية لبعض الأحداث، والتمهيد لبعض المشاهد، فالتحول من حالة إلى حالة غير مؤسس خلال العمل، وحتى الحبكة لم تكن بتلك القوة، رغم ثراء العمل بالخيال والشخصيات، وهذا الفخ القاسي جعل الشريط السينمائي وخطه الدرامي يتشتت، وسير الأحداث والشخصيات داخل طريق درامي مليء بالمطبات.

التشتت الموجود في السيناريو انعكس على بنية الفيلم عموما، ولكن هذا لا يغفل النقاط المضيئة وأهمها الأداء الجيد للمثلين عموما، خاصة بطلة الفيلم سليمة عبادة في ثاني تعاون لها مع مرزاق علواش، ناهيك عن الحضور المقنع للممثل خالد بن عيسى رغم ضحالة الدور، بالإضافة إلى الحضور الجيد للممثل حليم رحموني القادم من عالم المسرح بحكم اختصاصه كسينوغراف اشتغل على ديكورات العديد من المسرحيات المهمة.

فيصل شيباني

التعليقات مغلقة