“الحق أقول لكم جميعا، من أجملكم إلى أقبحكم، من أنظفكم إلى أوسخكم بالوراثة: انتظرت زيارة الزملاء الذين يدرسون معي في القسم نفسه، أو مكالماتهم الهاتفية للتخفيف من الألم والقلق والوحدة. ستكلف المكالمة عشرة دنانير، وأما المسافة بين الجامعة والبيت فتقدر بعشر دقائق أو أقل. لم يحصل هذا”، بهذه الكلمات خاطبنا الأديب الجزائري الكبير السعيد بوطاجين وكأنه يقول لنا “اللعنة عليكم جميعا”.
في رسالة للكاتب الجزائري الكبير السعيد بوطاجين انتقد فيه المثقفين وكيف تجاهله الأصدقاء والزملاء وهو في أمس الحاجة إليهم ولو بالسؤال عنه وهو الذي يمر بظروف صحية عصيبة، حيث يجري العملية الجراحية الخامسة في انتظار السادسة وفق ما كشفت عنه التحاليل الطبية.
في هذه الرسالة يقول بوطاجين: “لقد وصلت مؤخرا إلى العملية الجراحية الخامسة مطمئنا، قانعا بقدري، صابرا كالقطن في عليائه، وقد تكون السادسة في الطريق حسب ما تقوله بعض التحاليل، إن لم تكن مجرد أكاذيب وأخطاء تشبهنا نحن المرضى، لأن الطب في جزائر الفراعنة والدجالين مريض بكل أوبئة الدنيا.”
يضيف بوطاجين وهو يئن تحت وطأة الألم: “صدقا: توقعت بكثير من اليأس والمرارة، مع إخفاقات الطب وتهافته على المال، أن تتصل بي وزارة التعليم العالي التي انتميت إليها 38 سنة، أو وزارة الثقافة مثلا، أو بعض الهيئات العلمية والإعلامية التي قدمت لها خدمات مجانية كانت دينا عليّ كمواطن يؤمن بوظيفته الاجتماعية، وبالمواطنة الفعالة كقيمة حضارية.”
خيبة أمل كبيرة يعيشها الكاتب الذي قدم الكثير للمكتبة الجزائرية وأثرى جامعاتها بمحاضراته، هي نفس الجامعة التي تنكرت له ولم تكلف نفسها عناء السؤال عنه، يقول صاحب رائعة “اللعنة عليكم جميعا: “كما توقعت عبثا أن تهاتفني الجامعة للاطمئنان على وضعي المتدهور. قد تخطئ وتفعلها بشكل لن يحصل أبدا. من يدري؟ يحدث أن يقلقوا عليك أحيانا عندما يكونون بحاجة ماسة إليك، كآلة جاهزة لمناقشة أطاريح الدكتوراه أو قراءتها على عجل، كممرن، وكفرن متخصص في إنتاج الدكاترة والأميين الفاخرين، وذاك ما حدث عندما كنت أمر بمرحلة حرجة أعقبتها مضاعفات صحية منهكة تعذر تشخيصها في الوقت المناسب بسبب الإهمال والاستخفاف وعبث الطب السخيف، وكنت لا أقدر حتى على المشي والوقوف والكلام: باطل الأباطيل إذن، وقبضة ريح كما ورد في سفر الأسفار، وقلة أدب موزون ومقفى. الهيئات التي تعتبرك آلة لا تستحق أدنى احترام لأنها عبارة عن إفك وجب محاربته فورا لحماية المجتمع من الأرواح الرخيصة التي كجلد الخنزير.”
ألم السعيد بوطاجين زاد لتجاهل الأصدقاء والزملاء، أصدقاء المصلحة إن صح القول، يضيف الكاتب: “قد يكون في ذلك عبئا كبيرا وتبديدا عظيما للجهد والمال وأفعال الكلام، ولميزانية السنة الهجرية التي يقيسها بعض الجامعيين بالسنتيم حفاظا على سلامة المعي والجيب. الناس في هذا الوقت العسير أطماع وحسابات معقدة جدا يتعذر فهمها لأنهم يعيشون لأنفسهم حياة شبيهة بحياة الفأر والقملة، وعلي أن أصارحهم للمرة الأولى، أو الأخيرة.”
فيصل شيباني