يعيش شمال مالي وضعا أمنيا خطيرا بعد اشتباكات متقطعة بين الجيش المالي الحكومي الذي تدعمه قوات “فاغنر” الروسية، وجيش الأزواد، وفي حين يحاول كل طرف إخفاء حقيقة ما يجري إلا أن انزلاق الأمور على حدود الجزائر يضع الأخيرة أمام تحديات تستدعي التجند والحيطة والحذر، ولعل ما يزيد من المخاوف تجميد المجلس العسكري “الانقلابي” في باماكو العمل باتفاق الجزائر للسلم، الذي عمل على تنمية واستقرار المنطقة.
ومنحت الاعترافات التي قدمتها موسكو بخصوص سقوط عدد من مقاتلي “فاغنر” وجرح وأسر أخرين، في اشتباكات مسلحة بمدينة تين زواتين بأقصى شمال مالي قريبا من حدود الجزائر، مع مسلحين تابعين للقوات الأزوادية، الكثير من علامات التوتر المنتظر في المنطقة، لا سيما أمام رفض العودة إلى اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة الموقع بين الحكومة المالية ومختلف الحركات المسلحة الناشطة في شمال البلاد، والذي حقق الاستقرار والأمن في الساحل، قبل أن يوقف المجلس العسكري الانقلابي العمل به.
وذكر قائد سابق للفرقة الهجومية الـ13 من مجموعة “فاغنر” الناشطة في مالي، والذي يستعمل اسما مستعارا “روسيتش”، وفق ما ذكرت وكالة “نوفا” الإيطالية، أن أكثر من 80 مرتزقا روسيا من مجموعة “فاغنر” قتلوا خلال الأيام الأخيرة في “معركة تين زواتين” القريبة من الحدود مع الجزائر، بعد تعرضهم لهجوم مع جنود من جيش باماكو، من طرف عناصر مسلحة من الطوارق.
وأضاف في منشور على “تليغرام”، وهو الذي انسحب من العمل في مجموعة “فاغنر” المتواجدة بمالي، أنه “اضطر إلى المغادرة بسبب ظروف غير محددة، مشيرا إلى أنه تم أسر أكثر من 13 روسيا أخرين، وكتب طالبا المساعدة من وزارة الدفاع والحكومة في موسكو.
وتعرف المناطق المالية القريبة من حدود الجزائر، توترات ومعارك مسلحة بين الجيش المالي المدعوم بعناصر من مجموعة “فاغنر” ومسلحين من القوات الأزوادية، وآخرها الاشتباكات العنيفة التي عرفتها منطقة تين زواتين نهاية الأسبوع المنقضي، إذ “يخطط المرتزقة الروس التابعين لمجموعة “فاغنر” بمعيّة الجيش المالي، للاستيلاء على تين زواتين، آخر ملاذ للمدنيين الذين فروا من انتهاكاتهم”.
وقال الناطق باسم تنسيقية حركات أزواد، محمد المولود رمضاني، مضيفا أن وحدات من “جيش أزواد” منتشرة في المنطقة تشتبك مع القوات الحكومية لصد تقدمها، وأوضح أنه “كبّدنا مرتزقة فاغنر ومعاوني الجيش المالي خسائر عديدة”.
وحرّك الوضع المتوتر بشمال مالي الجزائر، حيث قال وزير الخارجية أحمد عطاف، إنه لا يمكن للجزائر أن تدير ظهرها لما يجري في منطقة الساحل، لأن أمن ورفاه المنطقة من أمن واستقرار الجزائر، مشيرا إلى أن “ما كانت تخشاه الجزائر أصبح الأن ميزة من ميزات منطقة الساحل وهي عودة الحرب الأهلية التي حذرنا منها”.
وأبرز عطاف، أن الجزائر تبقى متابعة ومعنية ومنشغلة بما يجري في الساحل، ولديها حسن النوايا والاستعداد والإرادة السياسية للإسهام دائما لما يخدم أمن واستقرار المنطقة، مشددا أن الصراع في مالي هو صراع بين الأشقاء، والحل لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، وأضاف أن اتفاق الجزائر للسلام من منافعه وإيجابياته أنه حافظ على السيادة المالية والحرمة الترابية والوحدة الوطنية في مالي، مؤكدا أن الاستغناء عن الاتفاق سيضر بكل هذه المكتسبات.
وفي السياق، قال الصحفي المالي احماي أغ إسماغيل، في تصريح لـ”أوراس”، إن ما يحدث في شمال مالي احتكاك مسلح متوقع بالنظر إلى سعي الجيش المالي وعناصر ” فاغنر” طرد الحركات الأزوادية من قواعدهم، لا سيما أن منطقة “تين زواتين” تعتبر أخر معاقلهم المتاخمة لحدود الجزائر، مشيرا إلى أن خسائر المعارك الأخيرة التي منيت بها القوات الحكومية وأصدقائهم كانت كبيرة جدا، وأضاف أن الأزواد على دراية واسعة بتضاريس وخبايا المنطقة أكثر من الأخرين، وهو ما لا يجب تجاهله، حيث لم يكن لهم الخيار سوى الدفاع بدل ترك السلاح والاستسلام، مبرزا أن قرار الدخول في حرب كان خيار الرجال الزرق، وهم الطوارق.
واستبعد أغ إسماغيل، قطعا، مشاركة الجزائر في هذا الصراع بصيغة أو أخرى، لكن سيتم غلق الحدود بالتأكيد إلا في حالات ضرورية مثل استقبال النازحين والجرحى، وأكد أن الاشتباكات ستتجدد في الأيام والأسابيع القادمة، لأن الجيش المالي وشركائه لا خيارا أخرى أمامهم سوى ملاحقة الأزواديين.
وتوقع مستقبلا أسودا ومقلقا للمنطقة، لأن عدد الضحايا سيترفع من الجانبين، وختم أنه لا سلام دون حوار سياسي ومفاوضات مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة وعلاقات جيدة مع دول الجوار خاصة الجزائر.