كشف الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى بومدين بوزيد، في حوار مع “أوراس”، أن الطائفة البروتستانتية تحاول خلق صدام مع الإدارة الجزائرية، متحججين برفض السلطات منحهم رخص بناء كنائس يمارسون فيها شعائرهم، وهو ما يتنافى مع قيم المحبة والحوار والدفاع عن الوطن التي يدعو إليها المسيح.
واستغرب بومدين بوزيد من الموقف المتناقض لما أسماهم “الحداثيين” الذي أثاروا ضجة كبيرة حول غلق ما وصفها بالبنايات غير المكتملة والتي لا ترقى لتكون كنيسة، مرجعاً الصخب الذي وقع بسبب الغلق الجماعي الذي مس هذه البنايات فضلا عن تزامنه مع المشهد السياسي، متهما جماعات باستغلال منصات إعلامية لتضخيم الأمر.
هل تعتبرون قرار غلق 13 كنيسة، إدارياً أم سياسياَ؟
أولا أنا أتحفظ على كلمة غلق 13 كنيسة، وما يجب قوله هو غلق 12 مقراً أو محلاً أو بناية، لأنها لم تأخذ مفهوم الكنيسة، فهي مقر وأحيانا بنايات لم تكتمل ولا تمتلك حتى رخصة المطابقة، ففتح أي محل أو معبد ديني مثل المساجد يستوجب رخصة مطابقة كإجراء تقني.
إذا كان غلقها قانونيا، فلماذا كل هذه الضجة؟
قبل مدة تم غلق شقة بوهران كانت تقام فيها بعض الشعائر الدينية لبعض البروتستانتيين، لكن لم يصاحبه هذا الصخب، وهو ما لم يقع أيضا على قرار غلق بعض المساجد في سنوات سابقة لأنها لا تمتلك الرخصة من وزارة الداخلية والشؤون الدينية، وبالتالي يمكن القول أن قوانين ممارسة الشعائر الدينية واحدة سواء تعلق الأمر بالمسلمين أو غير المسلمين، وبالتالي الصخب حصل لأن الأحداث وقعت في منطقة القبائل وتزامنت مع فترة الاحتجاجات والحراك، لذا كان على الإدارة أن تنتبه إلى هذه المسألة، وأعتقد أن ما أثار هذا الصخب هو الغلق الجماعي لهذه المقرات التي اتخذت كمعابد وكنائس.
يجمع كثيرون على أنها خطوة قانونية، لكن التوقيت جعل بعض الناس يشككون فيها ويتساءلون حول عدم غلقها في وقت سابق؟
لم تكن موجودة، كان بعضها موجودا ربما بطريقة غير قانونية، وقرارغلقها وزمنه يعود إلى والي المنطقة الذي يقدر الزمن والمناخ المناسبين لغلقها، ولكن القضية استغلت إعلاميا من طرف بعض الأشخاص على أنه معاداة لمنطقة معينة وهو طبيعي في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد.
من هي هذه الجهات؟
انا أستغرب من موقف بعض الحداثيين من غلق المساجد في حين لديهم موقف من الدين، كيف يقفون ضد الدين أساسا ويدافعون عن الحريات الدينية، وهم لا يعرفون أن الكنائس مفتوحة في الجزائر منذ الاستقلال والسلطة تمنح الرخص لهذه المؤسسات الدينية، وهناك لجنة قطاعية لغير المسلمين تهتم بمشكلة الكنائس مثلا، تابعة لوزارة الشؤون الدينية ينبغي أن تُفعل مستقبلا كإيجاد ممثل لتلك الديانات خاصة المسيحية بطائفتيها.
مشكلتنا ليست مع الكاثوليكيين الذين يحترمون القوانين بل لا يشكلون أي خطر، ولكن المشكلة مع التبشير البروتستانتي الذي يحاول خلق صدام مع الإدارة الجزائرية، وهو ما يسيء إلى الديانة المسيحية.
المسيح الذي يدعو إلى احترام القوانين والمحبة والدفاع عن الوطن، لذلك يجب على البروتستانتيين إدراك ذلك، وإن كان فيه ضيم أو إجحاف في حقهم من طرف السلطة ينبغي أن يناقشوا ذلك، لأن بعض ممثليهم يقولون أنهم اتبعوا كل إجراءات الحصول على الترخيص، لكن السلطة لم تتجاوب معهم، أعتقد أن وزارة الداخلية قدمت المبررات عن سبب تجاوبها مع هؤلاء، وعدم تجاوبها مع آخرين، حتى الطوائف الإسلامية التي تنتمي للتشيع لا يمكن أن تحصل على رخصة.
كيف ذلك؟
لأنها تخلق خللا في النسيج الاجتماعي واستقرار الدولة، جميعنا يدرك أن الطوائف الدينية المنغلقة والتي تتحول لخلايا سرية تخلق فوضى في المجتمعات وأحيانا قد تكون جزءا من الأجندات في العلاقات الدولية التي تساهم في الانهيار داخل المجتمعات، ولهذا دستور2016 الجديد مع الحماية الدينية التي ينص عليها مثلا حرية المعتقد، لكنه نظم الشعائر الجماعية، فالدين عندما يتعلق بالفرد مسألة تخصه يمارسه كيفما شاء في الزمن الذي يشاء، لكن عندما تمارس الشعائر في شكل جماعي فهذا يخضع للقوانين، كما هو معمول به في الدول الأوروبية التي تقنن الممارسة الدينية خصوصا في ظل تنامي العنف والإرهاب باسم هذه الديانات، فمثلا في سويسرا يمنع رفع طول المآذن عن طول البنايات.
وهل الوقت مناسب لهذه الإجراءات؟
الدولة يجب أن تكون حازمة في مثل هذه الملفات، علما أن الأمور تعفنت أكثر بحيث صارت تمارس الشعائر الدينية في بنايات غير مكتملة، فحتى من الناحية التقنية هي ممنوعة فلا يمكن أن نفتتح مسجدا مثلا في بناية لم تكتمل، فكيف نفتتح شقة غير مكتملة لممارسة الشعائر لغير المسلمين، في حين أن القوانين واضحة في هذه المسألة، ولكن أتصور أنه يجب علينا أن نطبق روح القانون، وعلى الإدارة أن تتفهم حينما يكون هناك مجموعة من المسيحيين يمكن أن يمارسوا دينهم في إطار قانوني في بناية أو كنيسة مكتملة، لأن المسيح يحب لأتباعه أن يعبدوه بحرية وبراحة دون أن يخلقوا صداما مع الآخرين، لهذا يجب على المسيحيين البروتستانت أن يعيدوا قراءة الإنجيل قراءة صحيحة وسليمة مثل زملائهم من الطائفة الكاثوليكية، وأن يدركوا أيضا أن التدين لا علاقة له بالسياسة لأننا جربنا هذا الأمر في التسعينات وجر علينا الأزمات، فالدين إذا دخل في السياسة أصبح خطرا على أتباع الديانة وعلى الدين وعلى أمن الدولة.
هل تواصلتم مع مسيحيين، وكيف كانت ردة فعلهم؟
من يقوم بهذا الدور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف لأن من مهامها متابعة ومرافقة والحرص على الكنائس، أما نحن في المجلس الإسلامي كأعلى هيئة استشارية، لا علاقة لنا إلا بالشأن الإسلامي من فتوى واجتهاد كما تدل تسميته عليه، ولا علاقة له بالأديان الأخرى إلا الملتقيات والمؤتمرات التي تدعو إلى الحوار الديني.
ما هو دور المجلس الإسلامي الأعلى من قضايا الرأي العام؟
نحن لا نصدر بيانات، فلا يمكن للمجلس أن يصدر بيانا إلا إذا طٌلب منه ذلك من قبل الهيئات الرسمية، لكننا نعتقد في المجلس أن هذا من مهام وزارة الشؤون الدينية، ولا نتدخل في غير مهامنا.
هل لديكم أي إحصائيات حول عدد المسيحيين في الجزائر؟
ليس لدينا أي إحصائيات رسمية دقيقة فيما يتعلق بأتباع الأديان، يمكننا فقط معرفتها من عدد الأناجيل التي تدخل كل عام، فعندما يطلب 10 آلاف إنجيل نقدرها بـ5 ألاف إلى 6 آلاف مسيحي، أحيانا بعض الجهات الإعلامية الدولية الغربية تضخم هذه الإحصائيات بهدف إحراجنا أمام التقاريرالدولية بأننا ضد حرية الأديان، ولكن يمكن القول إن هذه النسب تقدمها الكنائس التي تنشط بشكل رسمي وليست التي تنشط بشكل غير قانوني.
كلمة أخيرة
أعتقد أن موضوع الدين مهما كان يحتاج إلى مراجعة قانونية في الجزائر ومنظومة قانونية وفكرية جديدة للنخب ورجال الدين لمعالجة هذه المسألة مع الحفاظ على الحريات الدينية، وإلا سيشكل الشأن الديني أزمة لنا في المستقبل، فهي مهمة جدا بالنسبة للدولة الجزائرية لتحقيق الاستقرارلأن المواطنة قبل كل شيء وقبل التدين، فلا بد أن يكون الانتماء للدين دفاعا عن الوطن، ويتوجب على الجميع احترام القانون والتحاور مع الدولة إذا رغبنا في التغيير، كأولئك الذين يريدون تغيير قانون ممارسة الشعائر لغير المسلمين 2006 بفتح نقاش يطور المنظومة بدرجة أولى، ناهيك عن أن جوهر الأديان هو المحبة والاستقرار والانسجام الاجتماعي.