محللون: مشروع اليمين الإسرائيلي يترنّح ونتنياهو يخسر رهانه على ترامب أوراس

محللون: مشروع اليمين الإسرائيلي يترنّح ونتنياهو يخسر رهانه على ترامب

في تطوّرات متسارعة تشهدها الساحة الإسرائيلية، يبدو أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه أزمة حقيقيّة بعدما رضخ لاتفاق لتبادل الأسرى كانت حكومته ترفضه منذ ماي الماضي. ويرى محلّلون أنّ نتنياهو خسر رهانه على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي لعب دورًا رئيسًا في الضغط على الأطراف المختلفة للتوصّل إلى هذا الاتفاق.

ضغط ترامب يغيّر المعادلة

يقول برنارد هادسون، المدير السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إنّ رسالة صريحة وصلَت نتنياهو من ترامب تحثّه على إنجاز الاتفاق قبل العشرين من الشهر الجاري، وهو ما أجبر تل أبيب على تخفيف حدّة مواقفها.

وتزامن ذلك مع تلويح وزيرَي الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، في محاولة لثني نتنياهو عن اتفاق تبادل الأسرى. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي مضى قُدمًا غير آبه بتحذيرات اليمين المتطرّف، وفق خبراء إسرائيليين.

“الجميع يعرف التداعيات”

يشير هادسون إلى أنّ قرب تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة كان عنصرًا حاسمًا في الدفع نحو قبول الاتفاق، مؤكدًا أنّ “الجميع يعرف التداعيات التي قد تنجم عن فشل المفاوضات” في ظل توتر إقليمي ودولي.

اتفاق وشيك.. شرطه خريطة الانسحاب وآليات المعابر

بحسب الباحث السياسي سعيد زياد، فإنّ الإعلان الرسمي عن الاتفاق ينتظر ردودًا إسرائيلية بشأن عدّة شروط تصرّ عليها المقاومة الفلسطينية، من أبرزها خريطة المناطق التي ستنسحب منها قوات الاحتلال، وآلية عمل معبر رفح، وسبل إخراج الجرحى، فضلًا عن طريقة تبادل الأسرى.

وقد أكّد المتحدّث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أنّ غالبية القضايا الخلافية قد تمّ تذليلها، وسط عمل مُكثّف لاستكمال التفاصيل الأخيرة.

“فشل مشروع اليمين الإسرائيلي”

يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أنّ الاتفاق يمثّل ضربة قاسية لمشروع الحكومة واليمين الإسرائيلي، خاصة أنهم كانوا يراهنون على احتلال شمال قطاع غزة وإعادة الاستيطان هناك. ويعتقد أنّ تلك الخطة انهارت على وقع فشل عملية “إخلاء الشمال”، التي كانت تستهدف إنهاء المقاومة أو إضعافها، فإذا بالشمال يتحوّل من نقطة ضعف إلى “خنجر في خاصرة الحكومة”، كما يقول.

تراجع نتنياهو وتضعضع التيار المتطرّف

تراجع نتنياهو في الاتفاق عن أمورٍ ظلّ اليمين المتطرّف يعتبرها خطوطًا حمراء، مثل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وعدم التنازل عن فكرة الاستيطان في القطاع، ما يُنذر بزلزال سياسي داخل التيار المتشدّد، وفق مهند مصطفى.

ويضيف أنّ نتنياهو كان يعوّل على وصول ترامب للسلطة؛ أملًا في انتزاع دعمٍ لا محدود لإجبار حماس على الاستسلام، لكنه وُوجه بموقف أميركي مغاير تمامًا، أرغمه على قبول اتفاق رفضه مرارًا.

ترامب و”مصلحة الولايات المتحدة”

في المقابل، يؤكد هادسون أنّ فلسفة ترامب الخارجية تُركّز على مصلحة واشنطن بالدرجة الأولى، على عكس نهج إدارة جو بايدن التي اتّسمت -من وجهة نظره- بالتبعية لإسرائيل في ملفات المنطقة. ويشير هادسون إلى أنّ ترامب هدّد الإسرائيليين بأنّ “الجحيم سيطالهم” إذا ظلّوا يُعوّلون على استخدام الورقة الأميركية بالصيغة القديمة.

انهيار في الضفة أيضًا؟

ويحذّر هادسون من أنّ ما يجري قد يمهّد لتراجع خطط اليمين في الضفة الغربية أيضًا، خصوصًا أنّ تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -حول ضرورة “نسيان أسطورة الضفة”- لاقت أصداءً قوية لدى الرأي العام الأميركي. وكلّ ذلك قد يزيد من الضغط على حكومة نتنياهو ويُحرج تيارًا كان يأمل توسيع الاستيطان.

المقاومة تفرض إرادتها

يرى هادسون وسعيد زياد أنّ إسرائيل فشلت في تحقيق الأهداف الكبرى للحرب، لا سيّما القضاء على المقاومة أو تهجير سكان غزة. وبينما مُنيت مناطق القطاع بدمار هائل، نجحت فصائل المقاومة في الصمود وتعزيز وحدتها، وفرض معادلة جديدة على الأرض.

ويقول زياد إنّ الفلسطينيين خرجوا “منتصرين رغم الآلام”، إذ لم يتهجّروا ولم يتنازلوا سياسيًا، كما أنّ حالة الوحدة غير المسبوقة بين فصائل المقاومة تمهّد لمرحلة أكثر تماسكًا.

“اتفاق استسلام من إسرائيل لحماس”

تجسّد هذه النتيجة -بحسب زياد- في استعداد الشارع الغزّي للاحتفال بوقف إطلاق النار، في وقت يصف فيه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاتفاق بأنّه “اتفاق استسلام لحماس”. ويدلّل ذلك على أنّ “المقاومة انتزعت شروطها”، محقِّقة مكسبًا سياسيًّا أكبر من مجرّد وقف للحرب.

يشير محلّلون إلى أنّ الرهان الكبير الذي عقده نتنياهو على دعم ترامب انقلب عليه، وسط تراجع اليمين الإسرائيلي عن طموحات الاستيطان والهيمنة العسكرية في غزة. وعلى الجانب الفلسطيني، عزّزت هذه الحرب وحدة المقاومة ورسّخت قناعة بضرورة التمسّك بالأرض ورفض مشاريع التهجير والاحتلال. وفيما تترقب المنطقة إعلانًا رسميًا عن اتفاق الأسرى ووقف إطلاق النار، ستبقى السياسات الإسرائيلية تحت مجهر النقاش الداخلي في تل أبيب، بينما تواصل المقاومة استعداداتها لمرحلة جديدة قد تعيد رسم قواعد الاشتباك.

شاركنا رأيك