أكدت وزيرة البيئة وجودة الحياة، كوثر كريكو، أن الذاكرة البيئية جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية، معتبرة أن الحفاظ عليها يدخل ضمن مسار توثيق جرائم الاستعمار وآثارها الممتدة على البيئة الجزائرية.
وأوضحت الوزيرة، في تصريح للصحافة على هامش ملتقى وطني حول المخلفات البيئية لجرائم الاستعمار الفرنسي، أن بلادنا تعمل على مقاربة علمية لاسترجاع هذا البعد البيئي من الذاكرة الوطنية.
وكشفت كريكو عن تكليف المركز الوطني للتنمية المستدامة بإجراء تحاليل لعينات من التربة في عدد من المناطق التي شهدت عمليات قصف واستُهدفت بسياسة الأرض المحروقة إبّان الاحتلال الفرنسي.
وأكدت أن التحاليل التي أُنجزت بالتنسيق مع وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، أظهرت مؤشرات خطيرة لوجود أضرار بيئية معتبرة في تلك المناطق.
وبيّنت أن النتائج الأولية كشفت عن تدهور واضح للغطاء النباتي واختلالات بيئية عميقة مست الإنسان والمجال الطبيعي على حد سواء.
وشدّدت الوزيرة على أن قطاع البيئة سيواصل تنسيق الجهود مع القطاعات المعنية لتوسيع نطاق الدراسات العلمية، قصد تحديد الأضرار الناجمة عن الممارسات الاستعمارية.
وأبرزت أن هذه الأبحاث ستعتمد على مقاييس دقيقة لتقييم مستوى تلوث التربة والمياه والنظام الإيكولوجي العام.
وأوضحت أن الوزارة وضعت نظامًا بحثيًا يهدف إلى توثيق الذاكرة البيئية عبر شهادات مجاهدين عايشوا تلك المرحلة من سياسة الإبادة البيئية.
وأبرزت أن تلك الشهادات تمثل مصدرًا أساسيًا لإثبات أن الاستعمار لم يكن حاملاً للحضارة بل للدمار.
ورأت كريكو أن هذا المسار العلمي سيسهم في استرجاع حقّ الأجيال في معرفة التاريخ البيئي للجزائر وإبراز حجم الكوارث التي خلّفها الاستعمار.
ملتقى يكشف جرائم بيئية موثقة
وقد نظم قطاعا المجاهدين والبيئة ملتقى وطنيًا تحت عنوان “الآثار البيئية للاستعمار في إفريقيا: حقائق تاريخية ومخلفات إيكولوجية – الجزائر نموذجًا”.
وسلط الملتقى الضوء على البعد البيئي للاستعمار الفرنسي في القارة الإفريقية، باعتباره لم يكن مجرد حدث سياسي، بل جريمة إيكولوجية موثقة.
وأجمع المشاركون على أن ما تركه الاحتلال من تلوث وتدمير للتنوع الحيوي يشكل انتهاكًا صريحًا للقوانين والأعراف الدولية.
وتم التأكيد على أن استرجاع الذاكرة البيئية يعدّ جزءًا من مسار العدالة التاريخية، وأن مسؤولية التعويض الأخلاقي والمعنوي تقع على عاتق القوى الاستعمارية.
كما تم عرض نتائج أولية لدراسات ميدانية أظهرت تلوث التربة بمخلفات معدنية وكيميائية لا تزال آثارها قائمة في بعض المناطق الجبلية والريفية.
دعوة للاعتراف بالجرائم البيئية
ومن جهته، أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، عبد المالك تاشريفت، أن هذا العمل يدخل في إطار إحياء الذاكرة الوطنية واستعراض فظائع الاستعمار التي لم تطوها صفحات الزمن بعد.
وقال إن تلك الجرائم لم تكن عابرة، بل خلّفت ندوبًا بيئية واجتماعية لا تزال الأجيال الجزائرية تدفع ثمنها حتى اليوم.
وقال إن الشعب الجزائري عانى من فظائع ممنهجة ما تزال آثارها تتناسل في الحاضر كمخلفات بيئية واضحة.
وأوضح أن تلك الصدمات لم تكن لحظة منتهية، بل حلقات ممتدة من المعاناة تستدعي اعترافًا وإنصافًا وعدالة.
وراهن تاشريفت على الملتقى لفتح صفحة جديدة في دراسة المخلفات البيئية لجرائم الاستعمار.
وأكد أن تلك الدراسات تمثل خطوة علمية ضرورية لتوسيع فهمنا لجرائم الاستعمار وإبراز مسؤولية القوى الاستعمارية في الإضرار بالبيئة والإنسان.
وشدد وزير المجاهدين على أن توثيق الذاكرة البيئية هو شهادة وفاء للشهداء، ورسالة إلى العالم بأن الجرائم الاستعمارية لا تسقط بالتقادم.









لا يوجد تعليقات بعد! كن أول المعلّقين