في خطوة جديدة نحو تضييق سياسات الهجرة والإندماج، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، تعميم إداري جديد يقضي بتشديد معايير الحصول على الجنسية الفرنسية، معتبرًا أن “التجنس ليس حقًا بل قرار سيادي تتخذه الحكومة”.
وخلال زيارته إلى ضاحية كريتاي جنوب باريس، دعا الوزير المحافظين إلى التشدد في دراسة ملفات التجنس، مشيرًا إلى أن عدد الطلبات شهد ارتفاعًا كبيرًا، ما يستدعي ـ حسبه ـ مراجعة جذرية لمعايير القبول وربطها أكثر بالانتماء الفعلي للجمهورية.
وأوضحت صحيفة “لوفيغارو” الوثيقة التي وُزعت على جميع حكام المقاطعات تتعلق بـ “المبادئ التوجيهية المتعلقة باكتساب الجنسية الفرنسية” تضم خمس صفحات، وتفرض سلسلة من الشروط الجديدة، تهدف إلى تعزيز قيم الانتماء واحترام القانون والاندماج المهني والاجتماعي.
شدد الوزير اليميني، المعروف بمواقفه المتشددة، “من يرغب في نيل الجنسية الفرنسية، عليه أن يثبت اندماجه الكامل في المجتمع واحترامه للقوانين، وخاصة تلك التي تنظم دخول وإقامة الأجانب في البلاد”.
واعتبر روتايو من بين الشروط الأساسية: الإلمام الجيد باللغة الفرنسية شفهيًا وكتابيًا، إلى جانب معرفة تاريخ فرنسا وقبول رموزها الجمهورية.
مؤكدًا أن الجنسية لا تُبنى فقط على الروابط العائلية، بل على “الشعور بالانتماء في المقام الأول”.
كما أكد الوزير المحافظين مطالبون بمنح الأولوية للرفض في حالة وجود حكم قضائي سابق ضد مقدم الطلب، إذا بلغت مدة العقوبة ستة أشهر أو أكثر، داعيًا إلى اعتماد سلوك “انتقائي” في منح الجنسية، لا سيما لمن يفتقرون إلى المسيرة المهنية النموذجية.
وأشار روتايو إلى ضرورة أن يثبت الأجنبي الراغب في الجنسية تمتعه بـ”الاستقلال المالي الدائم”، أي امتلاكه لموارد كافية تجنّبه الاعتماد على المساعدات الاجتماعية، مع إعطاء الأفضلية لحاملي عقود العمل الدائمة أو المؤقتة لأكثر من 24 شهرا.
وأكد على المحافظين التدقيق في الوضع القانوني السابق للمتقدمين، والحرص على رفض كل من كان في وضع غير نظامي أو خضع لأمر طرد لم يُلغَ صراحة، أو حُظر دخوله الأراضي الفرنسية دون تنفيذ القرار بشكل نهائي.
واعتبر روتايو “من لا يلتزم بقوانين الجمهورية وقيمها، لا يمكنه أن يصبح مواطنًا فرنسيًا”، مشيرًا إلى أن الجنسية تُكتسب تدريجيًا عبر مسار مدني ومهني واجتماعي يعكس الجدارة، والانتماء لقيم الدولة.
Cette circulaire entraîne une rupture et durcit les critères, pour l’acquisition de la nationalité française. J’assume qu’il s’agit d’une circulaire d’assimilation. pic.twitter.com/t4wHmR2XiX
— Bruno Retailleau (@BrunoRetailleau) May 5, 2025
وكشف الوزير ابتداءً من الفاتح جانفي 2026، سيُفرض على المتقدمين لأول مرة لبطاقات الإقامة المتعددة السنوات واجتياز امتحان مدني، يهدف إلى تقييم مدى إدراكهم لمفاهيم المواطنة ومعرفتهم بتاريخ الجمهورية وثقافتها العامة.
وسيرافق هذا الامتحان ميثاق حقوق وواجبات المواطنين الفرنسيين، في حين سيتم رفع مستوى امتحان اللغة الفرنسية الشفهي، ليتلاءم مع المعايير الجديدة التي تضع الهوية الوطنية في قلب عملية التجنس، حسب ما نشرته صحيفة “لو فيغارو”.
كما ربط منح الجنسية بمسار مهني مستقر ونموذجي، مع اشتراط اندماج مهني فعلي يدوم لخمس سنوات كاملة.
مطالبًا بضرورة إثبات نشاط مهني منتظم على مدى خمس سنوات على الأقل.
وأضاف السلطات المحلية مطالَبة بالتحقّق من توفر الموارد المالية الكافية التي تضمن استقلالية المتقدم عن الإعانات الاجتماعية.
وأشار روتايو إلى أن عقد عمل دائم أو عقد محدد المدة لا يقل عن 24 شهراً سيكون من بين الوثائق المرجّحة لقبول الملف.
واستثنى بعض الحالات الصحية أو الإعاقات من شرط الموارد الذاتية، لكنه شدد على أن الاستثناءات يجب أن تكون مبرّرة بدقة.
وأوضح روتايو هدف التعميم الجديد هو تقليص إمكانية منح الجنسية للأشخاص الذين لم يندمجوا بعد في المجتمع الفرنسي.
مشددًا: “نحن لا نمنح الجنسية فقط بناء على النسب، بل نطلب شعورًا صادقًا بالانتماء”.
كما أكد أن السلطات المحلية ستكون مسؤولة عن إجراء الفرز الأولي، بحيث لا يُحال ملف التجنس إلى وزارة الداخلية إلا إذا اعتُبر مناسبًا.
مضيفًا: “الاختيار الأولي يتم على مستوى المحافظات، والملفات غير المؤهلة لا تُرسل إلى الوزارة”.
وذكر أن إدارات الولايات مطالبة بإعداد تقارير مفصلة عن تطبيق هذه التوجيهات الجديدة في غضون ثلاثة أشهر.
مشددًا على أن العملية لا تهدف إلى إحداث اضطراب إداري، بل إلى إعادة توجيه سياسات الاندماج نحو “الصرامة والمسؤولية الوطنية”.
وختم روتايو تصريحه بالتأكيد على أن “من يرغب في أن يصبح فرنسيًا، عليه أن يكون جديرًا بذلك”.
مضيفًا: “يجب أن نكون متطلبين للغاية، لأننا نؤسس المواطنة الفرنسية على الالتزام لا على الولادة فقط”.