في خطوة مفاجئة، حذفت قناة “فرانس 5” وثائقيًا كان مقرّرًا عرضه الأسبوع المقبل، يفضح استخدام المستعمر الفرنسي للأسلحة الكيميائية ضد الجزائريين خلال الثورة التحريرية، دون تقديم مبررات مقنعة.
وبعد عرضه على القناة السويسرية “أر.تي.أس”، كان من المنتظر أن يُعرض الوثائقي ذاته على “فرانس 5” يوم الأحد القادم، غير أن القناة قررت سحبه دون تفسير مُقنع.
وذكرت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية أن القناة اكتفت بالإعلان عن إتاحته على موقعها الإلكتروني بداية من اليوم الأربعاء.
فيلم سويسري يسلط الضوء على الجرائم الفرنسية في الجزائر، موثقًا استخدام الأسلحة الكيميائية وفضح التاريخ الأسود لفرنسا من خلال أدلة دامغة. pic.twitter.com/91GXoyU093
— أوراس | Awras (@AwrasMedia) March 10, 2025
ويتناول الوثائقي “الجزائر، وحدات الأسلحة الخاصة”، الذي أخرجته كلير بييه، استخدام فرنسا لأسلحة كيميائية محظورة بين 1954 و1959.
وتُظهر الوثائق أن هذه الممارسات تتعارض مع بروتوكول جنيف لعام 1925، الذي يمنع اللجوء إلى هذه الأسلحة.
ولم تُقدم القناة الفرنسية تفسيرات واضحة لسحب الوثائقي، لكنها بررت ذلك بتخصيصها تغطية خاصة للحرب الأوكرانية ومباحثات السلام بين كييف وموسكو، مما أثار تساؤلات حول مدى استقلاليتها في التعامل مع الملفات التاريخية الحساسة.
وجاء القرار في ظل مناخ دبلوماسي متوتر، حيث يتزايد النقاش حول الجرائم الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.
وكان الوثائقي سيُعرض ضمن برنامج “La Case du Siècle” يوم 16 مارس، لكنه أُزيل فجأة من جدول البث يوم 11 مارس، دون تحديد موعد جديد.
وعبّرت المخرجة كلير بييه التي علمت بالخبر من شركة الإنتاج سولنت المسؤولة عن المشروع عن استغرابها من هذا القرار، معتبرةً أنه قد يزيد الجدل ويُضيف “الوقود إلى النار”، خاصة أن الفيلم مدعوم بوثائق رسمية تُثبت تورط الجيش الفرنسي في استخدام الأسلحة الكيميائية.
وكان التلفزيون السويسري قد بث الوثائقي يوم 9 مارس، حيث استعرض تفاصيل مثيرة حول كيفية استعمال الجيش الفرنسي لهذه الأسلحة المحظورة، استنادًا إلى وثائق تاريخية وشهادات حية.
وكشفت المستندات التي نشرها المؤرخ كريستوف لافاي أن القائد العسكري الفرنسي في الجزائر وجّه طلبًا رسميًا لوزير القوات المسلحة في مارس 1956، للسماح باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهو ما تمّت الموافقة عليه.
وأظهرت الوثائق أن الجيش الفرنسي استخدم غاز الخردل المُستخرج من مخزونات الحرب العالمية الأولى، حيث استُعمل في أكثر من 8000 إلى 10000 عملية قصف بمختلف مناطق الجزائر، رغم التزام فرنسا العلني بحظر هذه الأسلحة.
وتمكن المؤرخ كريستوف لافاي من توثيق 440 هجومًا بغازات سامة، ورسم خريطة تحدد مواقع القصف، رغم أن الحصيلة الكاملة لا تزال غير مكتملة.
وتشير المعطيات إلى أن هذه العمليات كانت جزءًا من استراتيجية قمعية ممنهجة.
ويجدر الإشارة إلى أن فرنسا لم تُصادق رسميًا على حظر الأسلحة الكيميائية إلا عام 1993، مما يُظهر تناقضها في احترام الاتفاقيات الدولية، ويُعيد فتح ملف انتهاكاتها الجسيمة خلال الحقبة الاستعمارية.