تداول الجزائريون مقطعا من برنامج تلفزيوني وردت فيه كلمة فيها إساءة لأم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها، وقد مالت الكفة بشكل كبير جدا لصالح المطالبين بوقف البرنامج وغيره من البرامج التلفزيونية التي لا تنكف تسيئ للمجتمع الجزائري، وتضرب معتقداته وقيمه، لكن هذا لم يمنع وجود رأي آخر نظر للموضوع من زاوية مختلفة واعتبره أمرا عاديا جدا لأن الكلمة المشار إليها عادية في بعض مناطق الوطن وليس لها ذلك المعنى السلبي، بدليل السياق الذي وردت فيه حسب مقطع الفيديو؛ حيث تدافع المرأة عن زواج ابنتها المطلقة من شاب يصغرها مستشهدة بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أمنا خديجة رضوان الله عليها.
بالنسبة للمنتقدين كان على كاتب السيناريو أن يراجع نصه وينتقي المفردات المناسبة ويتأكد إذا كانت لها معان سلبية في مختلف جهات الوطن لأن الجمهور المستهدف يشمل الجزائر كلها، وليس حصرا في المنطقة التي ينتمي إليها والممثلين. وخاصة لما يتعلق الأمر بمواضع تتطرق لأمور لها علاقة بالدين، إذ يجب مضاعفة الجهود فيها، والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة، طبعا جل هؤلاء يستبعدون الهفوة فيما وقع ويعتبرونه عن سابق إصرار وترصد يدخل في إطار مؤامرة تستهدف الجزائريين، ولا يعدو ما حصل أن يكون حلقة من حلقاتها الكثيرة التي يتوجب أن يبقى الجزائريون متيقظين لها، ويدفعوا السلطة لوضع حد لها كما حصل مع الكاميرا المخفية على قناة نوميديا نيوز.
في الجهة المقابلة فإن أول سؤال يطرح في هذه الحالة حول كاتب السيناريو والممثلة؛ هل كانوا على علم بأن تلك الكلمة لها معان سلبية في بعض مناطق الوطن؟ من المعلوم أن الجزائر بشساعة مساحتها وتنوع سكانها تختلف طباعهم وتتعدد من منطقة لأخرى، ويدرك الجميع أن بعض المفردات المستعمل في ولاية بشكل عادي تعتبر في ولاية قريبة منها غير لائقة، ولكن يبقى هذا محصور في بعض الكلمات، وفي المناطق القريبة، والتي يحصل تفاعل بينها، وكلما تباعدت الولايات قلّت المعرفة بمثل هكذا تفاصيل، إذ يستحيل أن يدرك كل جزائري معاني الكلمات اللائقة التي تتحول إلى غير لائقة في جميع الولايات، وعلى سبيل المثال كاتب هذه السطور وربما مثله كثيرون لم يكن له معرفة مسبقا بأن الكلمة محل الجدل لها معان سلبية في ولايات أخرى.
النقطة الثانية من هذه الناحية أن المتعارف عليه أن الأعمال التلفزيونية هي انعكاس للواقع، ونقل لما يحصل فيه، طبعا ليس معنى ذلك أنه عند الشجار تستعمل كلمات نابية بالتالي يجب نقل الواقع كما هو واستعمال تلك الكلمات كما يقول أنصار الحرية المطلقة التي لا تراعي الخصوصيات الاجتماعية، ولكن المشهد محل النقاش كان يدور بين أم وابنها وأخته، صحيح أنه يصور خلافا عائليا لكن لم يخرج عن إطار الاحترام، وذلك المشهد يحصل كثيرا عندما تكون هناك مواقف مشابهة في العائلات التي لا تستحضر بعدا سلبيا لتلك الكلمة، وهذا ما يرجح فرضية أن العبارة كانت عفوية ولم يُقصد بها الإساءة. ومادام الموضوع متصلا بمسألة دينية فمن المناسب في هذا المقام ضرب مثل من هذه الدائرة؛ إذ يشير الفقهاء إلى أنه من فوائد حادثة الأعرابي الذي بال في المسجد، عذره بجهله، وحث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على أن يكونوا ميسرين لا معسرين، من هنا فإن الأصل حسن الظن من جهة ما دامت الكلمة تعتبر عادية في الغرب، والعذر بالجهل من جهة ثانية، وتنبيه كاتب السيناريو وغيره عند الوقوع في أخطاء ولكل مقام مقال ولكل حدث حديث.
المسألة المهمة التي يجب الإشارة إليها في هذا الإطار أيضا تتعلق بالانفصام المجتمعي والتناقض، لأن حجم الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي في الدفاع عن أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها يتناقض مع عرف مجتمعي ينظر فيه بالدونية للرجل إذا تزوج من امرأة تكبره سنا، وحتى حين يحتمي بزواج رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أمنا خديجة فإن ذلك لا يوقف تلك النظرات إليه التي تزاوج بين الشفقة والتهكم.
بكل تأكيد يتوجب أن يحفظ مقام النبوة وكل ما له صلة بديننا، والأعمال الفنية التي تتناول هذه المواضيع أو تقترب منها يجب أن تهتم كثيرا بأدق التفاصيل للمساهمة في بناء اجتماعي سليم، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يترك للهفوة هامشها، ولا توضع كل الزلات في سلة المؤامرة.