يُعدّ الإحصاء العام للسكان والإسكان حجر الزاوية في رسم السياسات العامة، إذ يقدّم بيانات دقيقة تُسهم في تحسين التخطيط الحكومي والاستشراف وتوجيه الموارد بشكل عادل.
في الجزائر، أُطلق الإحصاء العام السادس للسكان والإسكان خلال الفترة من 25 سبتمبر إلى 16 أكتوبر 2022، ومع ذلك، لم تُعلن نتائجه النهائية حتى الآن، ما أثار تساؤلات وانتقادات حول أسباب التأخير.
في هذا الصدد، كشف المدير العام المكلف بتسيير الديوان الوطني للإحصائيات، موسى محجوبي، بتاريخ 29 أكتوبر الفارط، لقناة “النهار”،أن النتائج النهائية ستُعلن قبل نهاية عام 2024.
وأوضح محجوبي، أن البيانات التي ستُوفّرها نتائج الإحصاء العام السادس للسكان والإسكان تحمل أهمية كبيرة لتطوير السياسات الوطنية.
وكان من المتوقع صدور نتائج المرحلة الثانية للإحصاء العام السادس للسكان والإسكان، خلال سنة 2023، والتي تحتوي على معلومات مصنفة حول الحالة الديمغرافية للسكان المقيمين وبنيتهم وتركيبتهم، وكذا مجمل المعطيات المتعلقة بظروفهم المعيشية والتقدم الذي أحرزته الجزائر على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
ورغم ذلك، فإن التأخير أثار تساؤلات في البرلمان والمجتمع حول جدوى الانتظار وتأثيره على الخطط التنموية.
في 24 أكتوبر 2023، وجه النائب البرلماني أحمد ربحي، سؤالا كتابيا، إلى الوزير الأول، بشأن التأخر في الإعلان عن نتائج الإحصاء.
وأبرز ربحي في نص السؤال الذي تحوز منصة “أوراس” على نسخة منه، أن الحكومة قامت في إطار عملية الإحصاء العام السادس بتجنيد الأعوان والمكونين، على أن تنتهي هذه العملية في شهر أكتوبر 2022 مستعينة بنظام معلوماتي رائد.
وأشار النائب بالمجلس الشعبي الوطني، إلى أن الإحصاء الخامس جرى سنة 2012 ونتج عنه إحصاء عام لا يتوافق مع الإحصاء السادس 2022 من حيث الأرقام خاصة في عدد السكان.
وانتقد النائب ذاته، “تضخيم بعض الأرقام بتواطؤ من المكلفين بالإحصاء ورؤساء بعض البلديات الذين قفزوا بترتيب بلدياتهم مما نتج عنه استفادة من مشاريع تنموية وعدد المنتخبين بطريقة غير أخلاقية”.
وأضاف: “لماذا لم تقم مصالحكم بنشر الإحصاء العام السادس للسكان والسكن لسنة 2022 رغم مضي أكثر من سنة على إنجازه؟”.
وتلقى النائب رداً من طرف وزارة العلاقات مع البرلمان، آنذاك، جاء فيه، بأنه تم الانتهاء من معالجة البيانات الخاصة بالإحصاء على مستوى الديوان الوطني للإحصائيات عبر مرحلتين.
المرحلة الأولى: تم خلالها إعداد النتائج الأولية المستمدة من الاستغلال الأولي لكراريس المقاطعة والتي تتضمن بيانات حول السكان والأسر والحظيرة السكنية مع المؤشرات وذلك على مستوى كل الولايات، حيث تم عرض هذه النتائج من طرف وزير الرقمنة والإحصائيات السابق خلال اجتماع مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 25 جانفي 2023 والمتضمن عرضا حول حصيلة تنفيذ عملية الإحصاء العام السادس للسكان والإسكان.
المرحلة الثانية: كانت مخصصة لاستغلال الاستمارات الممثلة لثمانية وخمسين ولاية والمتضمنة أهم المؤشرات والإحصائيات حول السكان وخصائصهم الديموغرافية والاجتماعية الأسر وظروف معيشتهم والحظيرة السكنية مع خصائصها، وتم من خلالها إعداد منشور مفصل عن نتائج هذا الإحصاء، والذي كان محل عرض من قبل وزيرة الرقمنة والإحصائيات (السابقة) خلال اجتماع مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 06 جويلية 2023.
وأوضحت الحكومة أن الإعلان النهائي لنتائج الإحصاء يتطلب مصادقة السلطة المختصة على نتائجه النهائية.
انطلاق الإحصاء العام السادس في تاريخ الجزائر.. تعرف إلى أهدافه pic.twitter.com/486lBaTntL
— أوراس | Awras (@AwrasMedia) September 25, 2022
استغرق إصدار نتائج الإحصاء العام للسكن والسكان السادس وقتا ملحوظا، في حين أن آخر إحصاء أجرته الجزائر يعود إلى حقبة لم تكن فيها بعض الولايات المستحدثة موجودة.
وأوضح الخبير المالي، نبيل جمعة، في تصريح لمنصة “أوراس”، أن نتائج الإحصاء العام للسكن والسكان، يستغرق عادة ما بين سنة إلى سنتين في العديد من الدول، بالنظر إلى تعقيد العملية التي تشمل جمع البيانات وتحليلها وتدقيقها وضمان دقتها.
وأشار نبيل جمعة، إلى تسجيل تأخر نسبي في صدور النتائج، لاسيما مع الأخذ بعين الاعتبار تطور الوسائل التقنية والإحصائية التي تُسهل العملية.
في حين يرى محدثنا، أنه يمكن أن يكون هذا التأخر مبرّرا، للحاجة إلى الدقة العالية مع وجود تحديات على غرار التوسع الجغرافي واستحداث ولايات جديدة، مع صعوبات لوجستية خلال عملية الإحصاء.
يُعد الإحصاء أداة محورية لتحقيق العدالة في توزيع الميزانيات، إذ تعتمد الحكومات على بيانات الكثافة السكانية ومستويات الفقر لتخصيص الموارد. وغياب الإحصائيات الحديثة قد يؤدي إلى تخصيص غير عادل أو إهمال بعض المناطق.
وأبرز الخبير المالي، أن غياب بيانات إحصائية دقيقة ومحدثة يؤدي إلى توزيع غير عادل للموارد، مشيرا إلى أن استحداث ولايات جديدة يتطلب موارد إضافية وبنية تحتية ملائمة.
وتابع: “بدون بيانات دقيقة قد تُخصَّص الموارد بناءً على تقديرات ما قد يسبب تهميشا”.
وأوضح جمعة، أن غياب البيانات يسبب خللا في تحديد الأولويات، مبرزا أنه يتم الاعتماد في تخصيص الميزانيات على معايير تشمل الكثافة السكانية ومستويات الفقر والاحتياجات التنموية.
ولفت الخبير ذاته، إلى أن هذه المعايير تُصبح غير دقيقة دون إحصاء حديث.
وأبرز نبيل جمعة، أن غياب بيانات الإحصاء يتسبب في إرباك البرامج التنموية على غرار برامج السكن والصحة والتعليم، التي تتطلب بيانات محدثة من أجل ضمان نجاحها.
وشدد جمعة على أن غيابها يؤدي لا محالة إلى سوء التخطيط.
يُلقي غياب نتائج بيانات الإحصاء العام للسكان والسكن، كذلك بظلاله على المشاريع التنموية والتخطيط الحكومي، حيث أكد نبيل جمعة، أن غياب هذه البيانات يؤدي إلى تعطيل التخطيط طويل الأمد.
واسترسل قائلا: “يعتمد التخطيط الحكومي على مؤشرات سكانية على غرار النمو السكاني والهجرة الداخلية وتوزيع السكن والاحتياجات السكنية”.
وأوضح المتحدث، أن غياب هذه البيانات يُجبر صناع القرار على الاعتماد على بيانات قديمة أو تقديرية ما قد يؤدي إلى مشاريع غير ملائمة أو مبالغ فيه تكليفها.
وأبرز كذلك، أن غياب الإحصاء يجعل من الصعب تقييم أثر المشاريع التنموية وتحديد العوائد الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الفجوات التنموية في ظل غياب بيانات دقيقة.
ولكون الإحصائيات ضرورية في جميع القطاعات، تساءلنا عن أبرز القطاعات المتأثرة من غياب الإحصائيات.
ليجيبنا الخبير المالي نبيل جمعة، بأن أبرز القطاعات التي تتأثر بغياب نتائج الإحصاء العام للسكن والسكان، هو قطاع السكن والبنية التحتية، كون عملية الإحصاء توفر أرقاما دقيقة عن عدد الأسر والكثافة السكانية.
وشدد جمعة على أن غياب بيانات حديثة يجعل من الصعب تحقيق أهداف تقليص أزمة السكن أو القضاء على السكن الهش.
كما يؤثر غياب البيانات على قطاعات أخرى على غرار الصحة والتعليم.
يرى الخبير المالي نبيل جمعة، أن تسريع إصدار نتائج الإحصاء العام للسكن والسكان ضروري لتصحيح مسار التخطيط الوطني وضمان عدالة التوزيع وتحقيق الأهداف التنموية.
واعتبر جمعة، أن تأخر إعلان نتائج الإحصاء يعتبر مشكلة تؤثر بشكل كبير على تخصيص الموارد وتوجيه التنمية.
بينما يبرر البعض التأخير بالحاجة إلى ضمان الجودة، تبقى آثار غياب الإحصائيات الدقيقة ملموسة على القطاعات الحيوية التي تعتمد على هذه البيانات في صياغة سياساتها وتحقيق التنمية المنشودة.