يستحضر سكان ولاية الشلف، اليوم الجمعة، الذكرى الـ45 لزلزال الأصنام العنيف الذي ضرب المنطقة في العاشر من أكتوبر 1980، بقوة 7.3 درجات على سلم ريشتر، مخلّفاً أكثر من 2600 قتيل وأزيد من 7000 مصاب وآلاف المفقودين، مُحدثاً دماراً واسعاً طال البنى التحتية والمساكن في ظرف لم يتجاوز 30 ثانية.
وتزامناً مع إحياء هذه الذكرى الأليمة، روى عدد من سكان الشلف، في شهادات مؤثرة، لحظات الرعب التي عاشوها آنذاك، وكيف استطاع التضامن الشعبي والرسمي تخفيف جراح المدينة.
من “الأصنام” إلى “الشلف”
في أعقاب الزلزال المدمر، قررت السلطات الجزائرية تغيير اسم مدينة الأصنام إلى الشلف، في خطوة رمزية للتخلص من آثار المأساة وإعادة بناء هوية المدينة على أسس جديدة.
وقد استُمد الاسم الجديد من وادي الشلف الذي يمر بالمدينة، وهو أطول وادٍ في الجزائر، يمتد على مسافة 725 كيلومتراً من جبال العمور بولاية الأغواط إلى غاية ولاية مستغانم غرب العاصمة.
ذاكرة لم تُمحَ
يستذكر توفيق بوكريط، أحد سكان حي “لاسيا” في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، الزلزال بألم شديد: “انهارت عمارتنا أمام عينيّ، ووجدت أمي على قيد الحياة بعد 48 ساعة تحت الردم، بينما فقدت إخوتي الأربعة”.
ومن جانبه، وصف أحمد لواحشي، من حي الشواقرية، مشهد الغبار الكثيف والسكون الذي تحوّل فجأة إلى صراخ وفوضى، قائلاً: “خرجت من البيت لأجد سحابة هائلة من الغبار تغطي المدينة.. لم نفق من الصدمة حتى وصلت المساعدات”.
تضامن شعبي ورسمي
شهدت الشلف بعد الزلزال هبة تضامنية وطنية غير مسبوقة، شارك فيها مواطنون من مختلف ولايات البلاد، إلى جانب تدخل الجيش والسلطات لإنقاذ الضحايا وإيواء المتضررين.
وشكّل الزلزال محطة مفصلية لبروز ثقافة الوقاية واحترام معايير البناء المضاد للزلازل، خاصة وأن المنطقة مصنفة ضمن الحزام الزلزالي للجزائر، وشهدت زلزالًا آخر سنة 1954.
بناء مقاوم للزلازل
في سياق الجهود لإعادة بناء المدينة، أكدت السلطات المحلية أنه تم تخصيص 18300 إعانة مالية لتعويض البناء الجاهز بقيمة قاربت 19 مليار دينار جزائري، بالإضافة إلى استحداث أقطاب سكنية جديدة مقاومة للزلازل بكل من بلديتي الشلف ووادي سلي.
كما تم تعويض 209 مؤسسة تربوية شملت ثانويات، متوسطات ومدارس ابتدائية، إلى جانب 297 قسم توسعة، ضمن مشروع شامل لتحسين ظروف التمدرس ومطابقة الهياكل للمعايير المضادة للزلازل، بميزانية تجاوزت 13 مليار دج.
وفي قطاع الصحة، شُرع في تعويض 7 عيادات متعددة الخدمات بمرافق حديثة، موزعة على عدة بلديات بالولاية، أبرزها الشلف (حي الحرية) وتاجنة وسنجاس.
وفي هذا الصدد، أشاد رئيس المجلس المحلي لهيئة المهندسين المعماريين، عبد الباسط البوعلي، بالمجهودات المبذولة من طرف السلطات لتعويض البنايات الجاهزة، وإدماج مقاييس السلامة ضمن قوانين البناء.
وأكد أن التشريعات الجديدة والنظام الجزائري المضاد للزلازل شكلا نقلة نوعية في ثقافة التشييد والتخطيط العمراني.
الشلف اليوم
بعد 45 عامًا من المأساة، أصبحت ولاية الشلف نموذجًا للتعافي وإعادة البناء، حيث شهدت تحولات إنمائية كبيرة في مختلف القطاعات، رافقتها مشاريع حضرية مستدامة أعادت للمنطقة مكانتها الاقتصادية والاجتماعية.
وبينما لا تزال الذاكرة الجماعية تحتفظ بمرارة الزلزال، يُجسّد إحياء الذكرى كل عام درسًا في الصمود والتضامن، وفرصة لتقييم السياسات الوقائية، وترسيخ ثقافة السلامة في وجه كوارث الطبيعة لا تُنذر بقدومها.









لا يوجد تعليقات بعد! كن أول المعلّقين