أجرى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، تعديلاً وزارياً شمل عدداً من الوزارات، وحمل في طياته تغييرات بارزة، منها استحداث مناصب وزارية جديدة.
ومن أبرز ملامح هذا التعديل استحداث مناصب “وزير الدولة” و”كاتب الدولة” و”الوزير المنتدب” في عدة وزارات، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المناصب سترافقها تغييرات في المهام والصلاحيات؟
ولفهم هذا التغيير أكد الأستاذ الجامعي والقيادي في حركة البناء الوطني كمال قرابة، في تصريح خص به منصة “أوراس” أن تركيبة الوزارات وتنظيمها وعددها وصلاحياتها تخضع لتسمية الحكومة وتوزيع المهام بداخلها.
موضحا أن أغلب الوزارات الحالية في الجزائر هي وريثة المديريات التقنية في الحكومات العامة القديمة، إلا أن بعضها أُستحدث فقط بعد الاستقلال، لأنها ضرورية لممارسة السيادة المستعادة كالشؤون الخارجية والدفاع الوطني التي كان أمرها سابقا يعود للدوائر الفرنسية بباريس.
أما الوثيقة التدريجية للوزارات في الجزائر فأعضاء الحكومة يحملون لقب الوزير لكن في الواقع العملي كل أعضاء الحكومة يحملون هذا اللقب، زيادة عليه يمكن أن نجد في الحكومة لقب وزير الدولة.
وفي هذا السياق، أوضح أستاذ القانون الدستوري بجامعة الجزائر، الدكتور موسى بودهان، لـ”أوراس” أن الفرق بين وزير الدولة والوزير والوزير المنتدب وكاتب الدولة يكمن في الجوانب الشكلية والبروتوكولية، بالإضافة إلى الجوانب المادية، خصوصًا بين الوزير المنتدب وكاتب الدولة ووزير الدولة.
وأشار في هذا السياق إلى أن العديد من دول العالم اعتمدت تقاليد وإجراءات محددة للتعامل مع هؤلاء المسؤولين من حيث مراتبهم ومناصبهم ومهامهم وصلاحياتهم.
وأضاف بودهان أنه عقب التعديل الوزاري الأخير الذي أقره رئيس الجمهورية، لابد الإشارة لمنصب وزير دولة بحقيبة وآخر بدون حقيبة، مشددًا على أهمية التفريق بينهما.
وأوضح الخبير القانوني موسى بودهان أن وزير الدولة بحقيبة يتمتع بصلاحيات واسعة، بينما وزير الدولة بدون حقيبة لا يملك سوى صلاحيات محدودة.
وأشار إلى أن الأخير يحصل على تأطير إداري خفيف من رئاسة الجمهورية، يقتصر على رئيس ديوان وعدد قليل من المكلفين بالدراسات والكتابة، بخلاف الوزير أو وزير الدولة بحقيبة.
وبخصوص الفوارق في التأطير الإداري، أكد أن الوزير المنتدب وكاتب الدولة يختلفان من حيث الهيكل والصلاحيات عن وزراء الدولة الآخرين، وهو ما ينعكس على طريقة عملهم.
يشار إلى أن الحقيبة الوزارية تمثل المسؤولية التنفيذية التي يتحملها الوزير لإدارة قطاع محدد ضمن الحكومة، وتشمل وضع السياسات وتنفيذها، والإشراف على المؤسسات التابعة للقطاع، بالإضافة إلى تنظيم الموارد والميزانية لتحقيق الأهداف المرسومة.
وصرّح الأستاذ الجامعي قرابة أن الثقافة القانونية والعرف السياسي في الجزائر يمنحان منصب وزير أو وزير دولة مرونة تتيح له الإشراف على قطاع واحد أو عدة قطاعات، أو حتى قطاعات تتشارك في مهمة محددة.
وأكّد قرابة أن تسمية “وزير دولة” تحمل وزناً سياسياً ومعنىً أعمق مقارنة بلقب “وزير”.
وأضاف أن العرف الجزائري شهد في بعض الأحيان تعيين وزراء دولة دون أن تكون لهم حقيبة وزارية، وهو ما يعكس طابعاً اعتبارياً للمنصب بدلاً من طبيعة وظيفية محددة.
وأوضح أيضاً أن وزير الدولة قد يشرف على قطاع واحد نظراً لأهميته، بينما في حكومات أخرى قد تُسحب هذه الصفة من الوزير نفسه، مما يشير إلى مرونة التسمية حسب الضرورات السياسية والإدارية.
وفي هذا السياق لفت قرابة إلى أن لقب وزير الدولة وهو منصب يمنح لبعض الأشخاص لتكون لهم مكانة خاصة في الحكومة، وهذا المنصب لا يوجد في كل الحكومات، وإذا وجد فهو يوضع على رأس قائمة التشريفات لتشكيلة الحكومة ويمكن أن يكون له حقيبة وزارية كما يمكن ألا يكون له ذلك، غير أنه لا يمنح صلاحيات خاصة تميزه عن نظراته الوزراء.
وأضاف موضحا، يمكن أن نجد الوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية أو لدى رئيس الحكومة، فالأول ليس له حقيبة وزارية والتعيين في المنصب يكون إما لشخص قريب من رئيس الجمهورية، وإما يكون للأبعاد كشخص كان له دور هام في مؤسسات الدولة.
وأشار بودهان إلى أن كاتب الدولة والوزير المنتدب يستمدان صلاحياتهما من الوزير الوصي، سواء كان وزير دولة أو وزيرًا عاديًا.
وأوضح المتحدث ذاته، أن المهام الموكلة إليهم غالبًا ما تكون محدودة، مقارنة بصلاحيات الوزير.
وبدوره أكد قرابة أن الوزير المنتدب فقد استعمل لأول مرة بموجب المرسوم الرئاسي رقم 89-78 المؤرخ في 1989/09/16 المتضمن تعيين أعضاء الحكومة واستمرت هذه التسمية في الحكومات المتعاقبة، كما أن منصب الوزير الأول الذي أنشأ لأول مرة على رأس وزارة الدفاع الوطني بموجب المرسوم رقم 80-175 المؤرخ في 1980/07/15 المتضمن تعديل هياكل الحكومة فيما بعد استعمل على رأس وزارات أخرى.
وفي سياق متصل، أوضح قيادي حركة البناء أن الجزائر عرفت منصب كاتب الدولة في الحكومة المشكلة بموجب المرسوم رقم 70-53 المؤرخ في 1970/07/21 وهو مساعدة وزيرها، وإما لتسيير قطاع ما ليس له أهمية ليرقى إلى الوزارة.
وأوضح كمال قرابة أن الوزراء المنتدبين يشرفون عادة على قطاعات فرعية تحت سلطة وزير رئيسي يدير قطاعات متعددة.
وأردف أن هذا الترتيب يظهر بوضوح في الوزارات ذات الطابع الاقتصادي، حيث يتم دمج وزارات أو قطاعات متقاربة، ليصبح الوزير المشرف هو المسؤول الأول عن القطاع بأكمله وعضواً في الحكومة ومجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، يتم تعيين وزير منتدب يتولى جزءاً من هذا القطاع أو فرعاً متخصصاً فيه، نظراً لأهميته في مرحلة معينة مثل إعادة الهيكلة أو تعزيز الأهمية الاقتصادية والسياسية للقطاع.
كما أشار قرابة إلى أن كتاب الدولة يحتلون مكانة أدنى في هرم المناصب، حيث يعملون بالتنسيق مع الوزير المكلف بقطاع معين في صياغة الاستراتيجيات ومتابعة تنفيذها.
ولفت إلى أن قرارات كتاب الدولة تظل محدودة، إذ تقتصر مهامهم على تقديم الدعم ورسم السياسات دون صلاحيات تنفيذية واسعة مثل التعيينات، التي تبقى من اختصاص الوزير المكلف بالقطاع.
وأضاف قرابة أن المديريات الولائية، أو ما يعرف بالمصالح اللامركزية، تمثل الوزارة على المستوى المحلي ولا تتبع لكتاب الدولة أو الوزراء المنتدبين.
وبين الفرق موضحاً أن هذه المديريات، مثل مديريات الصناعة والصناعة الصيدلانية، لا تنقسم بناءً على الاختصاصات الفرعية.
فعلى سبيل المثال، إذا تم تعيين وزير منتدب مكلف بالصناعة الصيدلانية، لن يكون هناك مسؤول ولائي خاص بها، بل تبقى المسؤولية ضمن إطار مدير ولائي واحد يشرف على القطاع ككل.
وفي هذا السياق، أفاد قرابة بأن الفروع المركزية مثل كتاب الدولة أو الوزراء المنتدبين تهدف أساساً إلى رسم السياسات الوطنية أو معالجة قضايا تنظيمية واقتصادية محددة.
وأوضح أن هذه الفروع قد تُستحدث لفترة معينة تقتضيها ظروف خاصة، مثل الإصلاح الإداري أو الإشراف على جزء محدد من القطاع.
وأشار إلى أن هذا يحدث في بعض الوزارات مثل الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، حيث تُستحدث كتابة دولة لفترة معينة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو تنظيمية وفقاً لاحتياجات المرحلة.
وأشار إلى أن منصب كل من نائب الوزير ووزير منتدب وكاتب الدولة يعملون على مساعدة الوزير، ولكن تحت سلطته.
أما الوزير المحافظ الذي أنشأ أول مرة بعد إنشاء محافظة الجزائر الكبرى سنة 1997، وكان يديرها وزير سمي وزير في مهمة فوق العادة، وكان يمارس نفس الصلاحيات المخولة للولاة، وهي نفس الصلاحيات التي يمارسها الوزير المحافظ وهو عضو في الحكومة ويشارك في اجتماعات مجلس الحكومة ومجلس الوزراء.
أكد بودهان أن التصنيفات بين الوزراء تعود بالدرجة الأولى إلى قرار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي يختار هذه التسميات.
وأوضح أن الوزراء يُعاملون بالمساواة دون أي تمييز في مكانتهم.
وعلى الصعيد المادي، أضاف أن الفوارق في الأجور بين وزير الدولة والوزير، وبين الوزير المنتدب وكاتب الدولة تعكس اختلافًا في مستويات المسؤولية والصلاحيات.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الجزائر استخدمت هذه التصنيفات في فترات سابقة، ثم تخلت عنها لفترة طويلة، لتعود إلى اعتمادها مجددًا في الوقت الراهن.
وجدد بودهان التأكيد على أن الفوارق بين المناصب الوزارية تكمن في الجوانب الشكلية والمادية والبروتوكولية.
وعلى الصعيد القانوني، ذكر أن المادة 91 من الدستور تنظم مهام الوزير الأول، بينما تندرج مهام الوزراء ضمن المادة 104، التي لا تُفرق بين وزير عادي ووزير دولة أو وزير منتدب.
وأكد أن الدستور لا يُميز بين الوزراء بناءً على مسمياتهم، مشيرًا إلى أن المادة 104 تتحدث عن الوزير فقط، دون الإشارة إلى الصفات الإضافية كوزير دولة أو منتدب.