إن القرار الجزائري يركز على تنويع العلاقات مع الجميع، خاصة بعد تطور حالة الاصطفاف الشكلي، وتزايد الصراع بين دول المجموعة: بين الهند والصين، وبين الصين وروسيا، وبين إيران ودول الخليج، وبين مصر واثيوبيا، وقيام بعص أعضاء المجموعة بدور سلبي، في بعض الدول كسوريا، ولبنان، واليمن، والعراق، والسودان، والتشاد، وليبيا، والنيجر، ومالي، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، والصحراء الغربية.. الأمر الذي يتطلب المراجعة الإيجابية، والاحتفاظ بعلاقات الصداقة، والتعاون، والشراكة المتوازنة مع جميع الدول، والمجموعات، والتكتلات.
@awras.com رفض عضوية الجزائريين في “بريكس” يتسبب في إحباط للجزائريين.. شاهد الفيديو
إن مجموعة بريكس الموسعة اليوم، ليست منظمة دولية، ومعظم أعضائها من الدول الناشئة، والنامية، يبلغ حاليا ناتجها المحلي الإجمالي حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتضم 3.7 مليار نسمة، بنسبة 46 % من سكان العالم.
ورغم ذلك فإنها أقل حجما من الناحية النوعية والكمية من مجموعة السبع الصناعية، التي يشكل ناتجها المحلي 44 % من الناتج المحلي العالمي، رغم أن عدد سكانها لا يزيد علي 780 مليون نسمة، وأن متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي يزيد على 56 ألف دولار، مما يدل على الطبيعة النوعية لمكونات الناتج المحلي الإجمالي في المجموعتين، بالمقارنة مع متوسط نصيب الفرد في دول البريكس الموسعة الذي لا يزيد عن 840 دولار مثل معظم الدوال النامية.
إن وجود مجموعة تطرح البدائل، وتقترح السياسات، وتجسد التعاون المتوازن للمصالح بين الدول، مسألة في غاية الأهمية، ولكن دعوة بريكس إلى بديل عالمي، لابد أن تُبْن منذ البداية على أسس واضحة، ومبادئ عادلة، وأن لا تكون آلية لتعميق الصراع على المستويين العالمي والإقليمي، والبيني بين الأعضاء الكبار داخل المجموعة.
إن مجموعة بريكس ليست منظمة دولية، وإلى حد الساعة ليست لها مبادئ ارشادية، ومعايير توجيهية لاختيار الأعضاء، ولذلك كانت المصالح القطرية، والانتقائية، والازدواجية، والتوافقية في إطار الفيتو المعمم، هي الأساس في الاختيار، ولم تُبْن على الشفافية والوضوح، بحيث يُرتَب الأعضاء حسب مؤشرات قَبْلية، وبَعْدية مٌعلنة مسبقا.
وبالتالي لا يوجد أي أساس موضوعي للاختيار، وما صاحبه من دعوة للعضوية دون معلومية معاييرها وشروطها.
إخفاق المجموعة في إيجاد عملة بديلة، أو اعتماد صيغ للتعامل بالعملات المحلية، حيث جاء في أحد بياناتها: (بالنظر في صعوبة اعتماد عملة “بريكس” فلم تنجح القمة في اعتماد العملة، بديلاً الدولار أو عملاتها المحلية… حيث يتطلب الأمر عدة سنوات لتطوير البنية التحتية المالية والمصرفية بشكل تعاوني).
كما أن مجموعة بريكس طيلة 13 سنة منذ تأسيسها إلى اليوم، لم تتخذ أية خطوات تكاملية انطلاقا من مرحلة المنطقة الحرة، إلى الوحدة النقدية، وذلك لتضارب المصالح بين أطرافها القوية، وهو ما أكده البيان: (يعمل تكتل “مجموعة بريكس” إلى خلق فضاءات للتعددية وإقامة منطقة تجارية حرة)، باعتبارها المرحلة الأولى من مراحل التكامل الاقتصادي والتعاون، وهي تدعو إلى اصلاح المنظومة الاقتصادية النقدية والمالية والتجارية الدولية، وهذا ما أكدته المجموعة في أحد بياناتها (دعت المجموعة إلى إصلاحات لمنظمة التجارة العالمية ومؤسسات بريتون وودز” صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”).
تنص المادة الثانية من اتفاقية التأسيس لبنك التنمية الجديد، بأن العضوية فيه مفتوحة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولذلك فإن أي دولة بإمكانها المشاركة في رأس مال البنك، أو الانسحاب في أي لحظة.
وبالتالي فان مشاركة الجزائر في بنك التنمية الجديد بـ 1.5 مليار دولار، ليست هبة الى جمعية خيرية، بل هو استثمار بامتلاكها لـ: 15000 سهم في البنك، مثل عدد من الدول غير الأعضاء.
إن تفحص المؤشرات الاقتصادية كالناتج المحلي الإجمالي، وعدد السكان، ومؤشرات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، وحجم الموارد، ودرجة التنويع الاقتصادي… بهذه المجموعة من الدول الجديدة التي دُعِيت للعضوية، لا يدل على أولويتها بالمقارنة مع غيرها من الدول التي تقدمت بطلب العضوية.
وبالتالي فهل اعتمدت على مؤشرات أخرى؟ كالمؤشرات السياسية، والتأثير الإيجابي في العلاقات الدولية والإقليمية والجوارية؟ مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم التورط في تشجيع وتمويل النزاعات العرقية، والمذهبية، والعسكرية، وعدم تمويل المليشيات المسلحة، واستخدامها في زعزعة استقرار الدول، والامتناع عن تشجيع الانقلابات في الدول، وخاصة في الساحة العربية الآسيوية والإفريقية (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، والتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وليبيا، وتونس، والسودان، وموريتانيا، ومالي، والصحراء الغربية…) فالإجابة بالنفي أو بالإيجاب، تدل على نجاح عملية التوسيع، أو اخفاقها، وتسييسها، وتغذية الصراعات بينها.
إن العوامل المتعلقة بالأمن الطاقوي، والصراع على الموارد، والأسواق، واكتساب حصة من الريع، والطرق التجارية والممرات الاقتصادية، تعد من القضايا الأساسية، لضمان تأمين مستدام لإمدادات الطاقات، وطرقها، وأمن ممراتها الهامة عبر العالم، لتغطية احتياجات الصين والهند، واستمرار تدفق الموارد والفوائض الريعية، والتأثير في قرارات منظمة الدول المصدرة للبترول.
إن توسيع مجموعة بريكس، تم بدون وجود معايير انضمام مسبقة، وبدون مبادئ توجيهية، ومعايير وإجراءات شفافة، وكنت أظن أن معيار الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة كان له التأثير الأكبر، لأن الدول الخمس في بريكس أعضاء في المنظمة العالمية للتجارة، وكذا الأعضاء الجدد: مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين، بينما إثيوبيا وإيران ليستا من الأعضاء، رغم انفتاح إثيوبيا النسبي على الاستثمار والتجارة الدولية.
ثم تفحصت الناتج المحلي الإجمالي، وعدد السكان، فلاحظت أنه تم رفض عضوية اندونيسيا وهي رابع دولة في العالم من حيث عدد سكان الذي يفوق 278 مليون نسمة، وناتجها المحلي الإجمالي يزيد على1.290 تريليون دولار، وهو أكبر من الناتج المحلي لجميع الدول المقترحة للعضوية، وهي عضو في مجموعة العشرين، وعضو في المنظمة العالمية للتجارة.
ونفس الشيء بالنسبة لنيجيريا فناتجها المحلي تجاوز 253 مليار دولار وعدد سكانها يزيد على 224 مليون نسمة كأكبر دولة في إفريقيا، بالتالي فهي أهم من أثيوبيا، ونفس الشيء لبنغلاديش، وفيتنام والسنغال ودول أخرى.
إن المعيار الأساسي هو المصالح الاقتصادية والسياسية للدول الكبرى داخل المجموعة، والخلافات الحادة بينها (طريق الحرير وطريق التوابل)، والاصطفاء الديني، والأيديولوجي، والسياسي، وبالتالي أصبح التوافق عبارة عن فيتو لجميع الأعضاء، يستخدم كأداء انتقاء لتعطيل عضوية بعض الدول، وهو أخطر من فيتو النظام العالمي الحالي.
وتجسيدا لذلك فإن الدول الآسيوية الريعية الثلاث قد ساندت ما يجري في بعض دول بريكس على المستوى الداخلي من اصطفاء عرقي، وتحيز ديني، وضخت أكثر من 100 مليار دولار كاستثمارات، وشراكات في الاقتصاد الصيني والهندي، في تنافس محموم بينها خلال السنوات الأخيرة، ويوجد في بعضها جالية هندية كبيرة.
إن الاتجاه بالنسبة للجزائر هو الشروع في وضع أسس الاقتصاد الحديث، المنفتح، المتحرر من عوائق التسيير الإداري، ومواجهة الاحتكار، في إطار رؤية بعيدة المدى، متعددة القارات، ومتعددة التكتلات، ومتنوعة المجموعات، بخططها الطويلة المدى.
إن الاقتصاد الجزائري مهم بموارده وثرواته، ومركزه الجيوستراتيجيى، وعلاقاته التشاركية مع عدد من التكتلات في العالم، ولن تخسر الجزائر في ظل استمرار الوضع الحالي شيئا بعدم انضمامها الى مجموعة بريكس.
وهي فرصة للاقتصاد الجزائري، للقيام بعملية حاسمة للتأهيل الشامل، للوفاء بمتطلبات الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، من خلال تحرير الاقتصاد من التسيير الإداري، وترشيد سياسات الإعانات، وتقليص الدعم غير المباشر، وزيادة درجة الانفتاح الذكي، التجاري والاستثماري والانتاجي، واستبدال نظام التراخيص بآليات اقتصادية جديدة، والتقليل من القيود الكمية والنوعية، والحد من الممارسات الاحتكارية لبعض المؤسسات العامة والخاصة في السوق الوطنية، وإعادة هيكلة قطاعاتها الإنتاجية، وزيادة قدراتها الاستقطابية والتنافسية، للاندماج الإيجابي في الاقتصاد العالمي، ومناطقة الحرة، ومجموعاته، وتكتلاته.
أستاذ دكتور بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة فرحات عباس - سطيف