لِمَا ينحصر الاهتمام والاتهام والكراهية في دائرة برميل النفط، رغم أن القانون يجرم “الكراهية”؟!.. و لِمَا ينحصر اهتمامنا خصوصاً حول إشكالية استيراد الوقود مثلا، لِمَا ننسى أو نتناسى “معضلة استيراد السكر”؟.
لِمَا لا نتحدث قليلا عن “السكر”.. ولِمَا لا نجتهد في تحليل وضعية مادة السكر في السوق الوطنية، وتبسيطها قليلا، حتى لا تكون النقاشات متمحورة فقط على زيادة الـ 5 دج، وتداعيات ذلك على سلسلة الصناعات الغذائية .
أعتقد لمّا ندرك مقدار حجم استيرادنا لهذه المادة، مقارنة مع حجم التداول في السوق الدولية، و لمّا ندرك كذلك مقدار المعدل الوطني للاستهلاك الفردي منها، نستطيع تقدير حجم التداعيات وكلفتها في السوق الوطنية والتي سيتحملها المواطن مباشرة من خلال المزيد من تحجيم قدرته الشرائية.
هذه الكلفة التي تتناسب طردا مع مقدار استهلاك هذه المادة بالمعدل الفردي والوطني في السوق الوطنية أو سيتحملها في صحته، ليس فقط جراء ارتفاع منسوب السكر في دمه عفانا الله وأياكم وجميع خلق الله، بل كنتيجة للتحايل والغش في استعمالات هذه المادة واستبدالها بمواد أرخص لكنها مسرطنة، كما هو الحال فيما يُعرف بالمشروبات والعصائر المغشوشة، إذا لم تشدد الرقابة الصارمة في مجال الصناعات الغذائية .
كما نستطيع بعدها إدراك قصور المعالجات الجزئية المتبعة ضمن منظور رفع الدعم أو تقليصه أو زحزحته، لأن القضية لا ترتبط فقط بإتباع نهج ما تهدف إليه المرافعات المتكاثرة والمتوالدة التي تنطلق من حسن النوايا والمعبر عنها بـ “ترشيد الاستهلاك” وبأن رفع الدعم سيوّلد “اتجاهات إيجابية للاستهلاك الوطني” من مادة السكر أو من غيرها.
المعالجات ينبغي أن تنطلق من معرفة “ما في الصندوق” أولاً، قبل الحديث عن “نقل الصندوق” وأين سننقله؟ وكيف؟ ومن سينقله؟.
ينبغي فهم معضلة استيراد السكر بهذه الحجوم الكبيرة، وأين تذهب؟ وفي أية سلاسل صناعية تدخل؟ وهل هذه الصناعات الوطنية تسهم حقاً في رفاه المواطن؟ وهل تسهم حقاً في مسعى التنويع الاقتصادي؟ وهل تسهم بالفعل في تنويع الصادرات؟.
للإجابة المنهجية عن هذه التساؤلات، بطبيعة الحال، ينبغي إقرانها بحجم الاستيراد “المهول” من هذه المادة، لأن مقارنة المعطيات، ووضع الأرقام جنباً إلى جنب مع بعضها هو الأسلوب الكفيل بإمدادنا بالعناصر الموضوعية التي ستسهم في هندسة الإجابات والمنظورات.
وإليكم وصف الحال
وفقاً لتقديرات (isosugar + وزارة الزراعة الأمريكية) بخصوص إنتاج، وتجارة، واستهلاك مادة السكر في العالم لمنتصف سنة 2020، فإن متوسط الاستهلاك السنوي لمادة السكر في الجزائر هي في حدود 2,254 مليون طن (ماي 2020)، وبذلك نكون قد أنهينا السنة الماضية (2020) بمعدل استهلاك الفرد الجزائري من مادة السكر بمتوسط 51 كلغ في السنة.
من حيث الحجم الإجمالي لاستهلاك مادة السكر تأتي الجزائر في المرتبة السادسة عشر (16) بعد 15 دولة زائد الاتحاد الأوروبي (الذي يضم 27 دولة عضوًا)، لكن اللافت للنظر في القائمة الـ 16 بلد واتحاد، فإن الجزائر تأتي على رأسها جميعا في القائمة من حيث معدل استهلاك الفرد لمادة السكر بـ 51 كلغ للفرد في السنة، تليها البرازيل بـ 47 كلغ للفرد ثم الاتحاد الأوروبي بـ 41 كلغ للفرد.
لكن وضعية البرازيل متفهمة جدا، حين نعلم بأن البرازيل تحتل المرتبة الثانية في العالم في إنتاج الإيثانول المصنوع من قصب السكر بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ إنتاجها 35 مليار لتر في سنة 2019، كما سجلت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) “يرتبط سوق السكر في البرازيل بعلاقة قوية مع سوق الإيثانول”.
كما نجد، في إحصائيات سنة 2019، بأن الجزائر احتلت المرتبة الخامسة (5) في قائمة المستوردين الكبار لمادة السكر، بعد كلّ من:
– أندونيسا، ذات 274 مليون نسمة، استوردت 4,758 مليون طن.
– الصين، ذات المليار 439 مليون نسمة، استوردت 4,350 مليون طن.
– الولايات المتحدة الأميريكية، ذات 331 مليون نسمة، استوردت 6,406 مليون طن.
– الاتحاد الأوروبي، ذو 447,7 مليون نسمة، استورد 2,100 مليون طن.
-الجزائر، ذات 44 مليون نسمة، استوردت 2,470 مليون طن.
لكن بالنسبة للجزائر، نجد سعر الطن الواحد في فاتورة استيرادها كان الأعلى ضمن قائمة كبار المستوردين لمادة السكر، حيث استوردت 2,470 مليون طن، بقيمة 646,1 مليون دولار.
وتبعاً لما كشفت عنه “المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك” حول تسجيل زيادات في سعر مادة السكر بـ5 دينار بالنسبة للصناعيين.
أعتقد بأن تراكم الزيادة بخصوص حجم السكر المستهلك في السوق الوطنية والذي يقدر بـ 2,254 مليون طناً، ستكون قيمة الزيادة المباشرة الإجمالية هي 11,27 مليار دج، أي تقريبا عشرة (10) أضعاف قيمة ما كانت تنوي الحكومة خفضه من ميزانية الدعم الموجهة لدعم استقرار أسعار السكر والزيت مجتمعين (1,5 مليار دينار).
وهذا يعضد توجسنا خيفة حول التهاب الأسعار و انهيار القدرة الشرائية للمواطن في حالة مجرد التفكير في “زحزحة” الدعم، لأن الآلة الرهيبة لجشع التجار لن ترحم أحدا، فـأنت كمقرر للسياسة العمومية حين تفكر في “خفض قيمة الدعم” بـ “دينار واحد” فستتصرف “قوى السوق” برفع الأسعار بـ “10 دنانير”، فمن يقرر “سياسة ما” فعليه أن يمتلك أدوات تنفيذها و”ضبط تصرفات المتعاملين بها والمتدخلين فيها”.